المجلس الإستراتيجي أونلاين ـ رأي: على الرغم من أن الرئيس أردوغان حاول تبني توجه جديد في البلاد وفي العلاقات الدولية والإقليمية لتركيا في الأشهر الأخيرة، يبدو أن السلام النسبي في العلاقات الثنائية مع اليونان غير مستدام وستعود الخلافات مرة أخرى إلى المشهد السياسي.
محمود فاضلي ـ محلل الشؤون الدولية
في أحدث بادرة على التوتر بين اليونان وتركيا، انتقد الرئيس التركي أردوغان برنامج التسلح اليوناني لدى عودته من زيارة إلى أذربيجان وأعلن عزمه لمعالجة هذه المسألة في الاجتماع المرتقب مع رئيس الوزراء اليوناني الجديد.
وقال أردوغان: “بعد الانتخابات التركية، اتصل بي رئيس الوزراء اليوناني ميتسوتاكيس وهنأني. إذا كانت هناك إمكانية لعقد لقاء على هامش اجتماع الناتو في ليتوانيا في 11 و 12 يوليو، فلن نتجنب هذا اللقاء. نحن دولتان متجاورتان. إذا لم تكن هناك رسائل مشبوهة، فنحن لا نسعى لزيادة العداوات بل نسعى إلى تقوية الصداقات. في لقائي مع ميتسوتاكيس، سأقول له السيد رئيس الوزراء، توقفوا عن شراء الأسلحة. لأي غرض تقومون بهذه الإجراءات؟ الولايات المتحدة تمنحكم أسلحة بدون توقف، لماذا تشترونها؟ هل يعطونكم هذه الأسلحة مجاناً؟ حان الوقت لوقف جهود التسلح. إلى أين تنوون الوصول بهذه الأسلحة؟ ربما سنتحدث عن هذه المواضيع. لكن تأكدوا من أننا نسعى لتقليل أعدائنا وليس زيادتهم”.
بعد يوم من خطاب أردوغان، قال ميتسوتاكيس، رئيس حزب الديمقراطية الجديدة المحافظ ورئيس الوزراء اليوناني السابق الذي يستعد للجولة الثانية من الانتخابات البرلمانية، “سألتقي بأردوغان على هامش قمة الناتو في ليتوانيا في سبتمبر وسأؤكد له أن البلدين حتى لو لم يتمكنا من حل خلافاتهما، يمكنهما تهدئة التوترات في بحر إيجة وشرق البحر الأبيض المتوسط. لا تستطيع تركيا أن تملي على اليونان الأسلحة التي يمكنها شراؤها. اليونان ملزمة بتعزيز قواتها المسلحة لأن جارتنا الأكبر هي تركيا والتي لا يمكن التنبؤ بسلوكها من الناحية الجيوسياسية”.
تدعي اليونان أنها قد نجحت في تغيير التوازن من حيث قدرات القوات المسلحة. في مجال القوة الجوية، تغيرت الأمور تماماً مقارنة بما قبل أربع سنوات. بالتأكيد لن تشتري تركيا مقاتلات F-35، لكن اليونان تلقت رسمياً موافقة الولايات المتحدة لشرائها.
في الأشهر الأخيرة، أعرب المسؤولون اليونانيون على جميع المستويات عن ارتياحهم لخفض التوتر في العلاقات الثنائية مع تركيا، ويبدو أنهم راضون عن الأجواء السائدة منذ الأشهر الأخيرة. و خلال الأشهر الماضية، لم تشهد اليونان أي انتهاك لمجالها الجوي من قبل الطائرات المقاتلة التركية. اليونان في المواقف الرسمية على الأقل تمد يد الصداقة لتركيا، لكنها في نفس الوقت تعمل على تعزيز قواتها المسلحة. وبالتزامن مع حماية حدودها ستسعى كذلك إلى إنشاء تحالفات إقليمية من شأنها تعزيز موقع اليونان الجيوسياسي. على الرغم من أنه في رأي السلطات اليونانية لا توجد حاجة لأن تعيش اليونان وتركيا في توتر مستمر لكن في الوقت نفسه، لا يساورهم شك في إمكانية تغيير نهج تركيا تجاه اليونان.
من وجهة نظر اليونان، هناك خلاف واحد فقط بين البلدين وهو تحديد المنطقة الاقتصادية الخالصة والجرف القاري في بحر إيجة وشرق البحر الأبيض المتوسط. وفقاً لليونان، يجب أن يتفق الطرفان على أن هذه القضية يجب أن تحل فقط في إطار القانون الدولي وعلاقات حسن الجوار، ولا يمكن لأي مسؤول حكومي إثارة قضايا أخرى خارج جدول أعمال العلاقات الثنائية على طاولة المفاوضات؛ قضايا مثل نزع السلاح من الجزر والسيادة والحقوق السيادية هي خارج نطاق المناقشة مع تركيا.
بعد فوزه في الانتخابات، يحاول أردوغان إظهار “صورة جيدة” عن نفسه للغرب وفي هذا الصدد سيحاول إقناع الغربيين بأن العلاقات مع اليونان تسير على طريق التطبيع الكامل. لكن في اليونان، هناك نظرية مفادها أن الأهداف الإستراتيجية طويلة المدى لتركيا لن تتغير أبداً، لذا فهم يواصلون تعزيز قواتهم المسلحة مع الحفاظ على يقظتهم. على الرغم من أن اليونان ترحب بفرص التوصل إلى تفاهم بعد خفض التصعيد الأخير، إلا أن خطوط قادتها الحمراء معروفة جيداً.
اليونان وتركيا تتنافسان بشدة في المجال العسكري. يقوم الجيش اليوناني بتطوير وتعزيز قدراته، بل إنه تقدم بطلب بشراء طائرات مقاتلة من طراز “F-35” من الولايات المتحدة. وفي حال استلامها، فإن أسطول القوات الجوية التركية سيتخلف عن منافسه الدائم. كما طلبت اليونان مؤخراً كذلك 24 مقاتلة رافال فرنسية الصنع، 6 جديدة و 18 مستعملة، بالإضافة إلى ثلاث فرقاطات فرنسية.
في الذكرى المئوية لتوقيع معاهدة لوزان بين اليونان وتركيا، تعتقد اليونان أن توقيع معاهدة لوزان يمثل فرصة عظيمة لإعادة التأكيد على صلاحية هذه المعاهدة والاستقرار الذي أنشأته؛ لأن هذه المعاهدة لا تزال ركيزة السلام في المنطقة. وفقاً للمبادئ الأساسية للقانون الدولي، فإن المعاهدات التي تحدد الحدود بين الدول لا تنتهي صلاحيتها. بالإضافة إلى ذلك، لا يمكن مراجعتها من جانب واحد دون الحصول على موافقة الأطراف الأخرى. التسوية النهائية للقضايا الحدودية هي حجر الزاوية في هذه المعاهدة.
بعد فوز الرئيس التركي أردوغان في الانتخابات، تستعد اليونان لاستئناف قنوات الاتصال مع السلطات التركية. إذا استمر ركود الأنشطة العسكرية وتجنب المناورات الكبيرة حتى 15 سبتمبر بموجب التوافقات، سيكون بحر إيجة عاش أكثر من سبعة أشهر بدون توتر ويعتبر ذلك أرضية مناسبة لاستئناف المحادثات بين البلدين. كان رد فعل اليونان إيجابياً على نتائج الانتخابات التركية. لكن في الوقت نفسه، تعتبر أن هدفها الرئيسي هو تطوير العلاقات بين البلدين على أساس القانون الدولي وبهدف ضمان السلام والاستقرار الإقليميين وكذلك علاقات حسن الجوار.
من المتوقع أن يتم بعد تشكيل الحكومة الجديدة في اليونان وفي المرحلة الأولى، التخطيط لعقد مباحثات بشأن إجراءات بناء الثقة بين وزارتي الدفاع وجولة جديدة من المحادثات بين وزارتي خارجية البلدين.
تظهر الأدلة أن التعاون بين اليونان وتركيا يحظى بدعم الولايات المتحدة. تخطط الأخيرة لتصدير غازها المسال إلى دول خارج المنطقة عبر مرافئ يونانية وتركية. هناك اختلافات بين تركيا واليونان في مجالات التنقيب عن الطاقة، وعسكرة بعض الجزر في بحر إيجة، وطالبي اللجوء. كما يراقب الجانبان عن كثب التعزيزات العسكرية لبعضهما البعض. في السنوات الأخيرة، تتهم تركيا اليونان بنشر أسلحة في جزر بحر إيجة.
0 تعليق