المجلس الاستراتيجي أونلاين ـ رأي: المعركة الأخيرة بين فصائل المقاومة الفلسطينية والكيان الصهيوني، والتي انتهت بعد 5 أيام من الصراع مع فرض شروط المقاومة، كانت لها ظاهرة لافتة وهي تشكيل "غرفة العمليات المشتركة"، لأن هذه الغرفة لعبت دوراً فعالاً في تصميم العمليات والمعارك الميدانية لمعركة غزة الأخيرة.
برسام محمدي ـ خبير في القضايا الإقليمية
الحقيقة أن غرفة العمليات هي التي قادت معركة غزة، التي أطلق عليها اسم “ثأر الأحرار”. هذه الغرفة، التي أصبحت طبيعتها وميزاتها العملياتية العسكرية أكثر وضوحاً في التطورات الأخيرة في فلسطين المحتلة، هي أبرز مظاهر وحدة فصائل المقاومة الفلسطينية وتقاربها.
ويكتسب هذا الأمر أهمية عندما نعلم أن الكيان الصهيوني والجهات الإعلامية والسياسية والعمليات النفسية المنتسبة إليه، خلال السنوات العشر الماضية، بذلت جهوداً ونفذت سيناريوهات مختلفة لزرع “الانقسام والصراع والتفرقة” بين فصائل المقاومة الفلسطينية، خاصة حماس وحركة الجهاد الإسلامي.
تتكون غرفة العمليات المشتركة الفلسطينية (JOR) من 12 مجموعة فلسطينية بقيادة حماس، وتعود بدايتها الرسمية لنشاطها العسكري إلى معركة “سيف القدس” في مايو/أيار 2021.
تأسست النواة الأولية لغرفة العمليات المشتركة عام 2006 من قبل مجموعتين فلسطينيتين من المقاومة هما “عز الدين قسام” الجناح العسكري لحركة حماس و “سرايا القدس” الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي. إن تشكيل جبهة مقاومة موحدة لمحاربة كيان الاحتلال الصهيوني وتنسيق أنشطة مختلف فصائل المقاومة الفلسطينية وتشكيل سلطة سياسية واحدة هي الأهداف الرئيسية والأساسية لهذه الغرفة التي تم التأكيد عليها في وثيقتها التأسيسية. أعلنت غرفة العمليات المشتركة رسمياً عن وجودها عام 2018 مع بداية “مسيرة العودة” في غزة.
اثنا عشر فصيلاً عسكرياً فلسطينياً يشكلون أعضاء غرفة العمليات المشتركة.
أظهرت غرفة العمليات المشتركة، في الفترة القصيرة من نشاطها منذ إنشائها، أداءً ناجحاً في مواجهة جرائم الكيان الصهيوني في الأراضي المحتلة، وخاصة في غزة. حتى الآن كانت معركة سيف القدس ذروة “استعراض القوة” لغرفة العمليات المشتركة.
ولعبت هذه الغرفة دوراً مهماً في “تنسيق” مختلف العناصر والفروع العسكرية في المعركة الأخيرة مع الكيان الصهيوني، وكذلك “تنظيم” الجبهات المختلفة وإدارة ساحة المعركة و “منع ردود الفعل المتفرقة”. كانت النتيجة الأهم لوجود غرفة العمليات المشتركة في معركة غزة الأخيرة “تغيير موازنة الحرب” وفرض شروط وقف إطلاق النار على الكيان الصهيوني من خلال توافق وطني وميداني، وهو ما يعتبر “نجاحاً استراتيجياً” في حد ذاته.
إن وجود 12 فرعاً عسكرياً من مجموعات فلسطينية مختلفة في غرفة العمليات المشتركة “عزز بالفعل قدرات” المقاومة الفلسطينية، بما في ذلك احتياطيات الصواريخ والأسلحة، ونتيجة لذلك، أدى إلى التحسين الكمي والنوعي للهجمات الصاروخية على أهداف رئيسية في عمق الأراضي المحتلة.
كان الكيان الصهيوني يسعى إلى “أهداف محددة” في معركة غزة الأخيرة والجرائم التي ارتكبها في الأيام التي سبقت ذلك. وكان القادة الصهاينة قد صمموا “معادلة معقدة” تستهدف فقط حركة الجهاد الإسلامي وإبقاء مجموعات المقاومة الأخرى خارج معادلة المعركة؛ كما جاء الهجوم الوحشي على منزل 3 من قيادات الجهاد الإسلامي وتدمير منازل المدنيين في هذا الإطار لكي يتبعوا نهجاً أحادي الجانب للحرب ضد إحدى الفصائل الفلسطينية.
إضافة إلى ذلك، حاول الكيان الصهيوني “عكس” الردع القائم في الأراضي المحتلة لصالحه من خلال تكثيف الهجمات ضد حركة الجهاد الإسلامي، التي تعد إحدى الركائز المهمة لقوة الردع الفلسطينية، وإيجاد جو من الرعب بين الفلسطينيين وفصائل المقاومة الأخرى.
في الواقع، بدأ الكيان الصهيوني الحرب بفكرة أنه سيواجه الجهاد الإسلامي فقط في المعركة الجديدة. لكن الرد السريع والموحد من قبل فصائل المقاومة الفلسطينية على شكل غرفة عمليات مشتركة ذات “وحدة ميدانية فريدة” غيّر الأجواء والمعادلة ونتائج الحرب على عكس الأهداف التي حددها الكيان الصهيوني.
الدور الذي لعبته غرفة العمليات المشتركة في معركة غزة التي شاركت فيها كافة فصائل المقاومة، كانَ نفياً لهذه التلميحات والتوقعات بأن بعض الجماعات، بما في ذلك حماس، ليس لها وجود جاد ميدانياً في المعارك الأخيرة وأن لها وجهات نظر مختلفة من فصائل المقاومة الأخرى في محاربة الكيان الإجرامي.
باختصار غرفة العمليات المشتركة “انجاز كبير” في مجال التطورات العسكرية والعملياتية في فلسطين المحتلة. لأنه من وجهة نظر عملياتية، فإن تنفيذ هجمات مشتركة من قبل الجماعات الفلسطينية أمر لا يمكن استيعابه من قبل الكيان الصهيوني لأنه يقضي على الإنجازات الأمنية والعسكرية لهذا الكيان.
بالنظر إلى أن التركيز الأساسي لنشاط هذه الغرفة في الوقت الحالي في غزة، يبدو أنه من المهم للغاية اعتماد آليات لتوسيع نطاق نشاط هذه الغرفة ليشمل مناطق أخرى، بما في ذلك الضفة الغربية، من أجل الإعداد لتشكيل “الجيش الفلسطيني المتحد والموحد”.
تجربة اليمن وحركة أنصار الله التي تمتلك جيشاً موحداً، هي تجربة قيمة يمكن تنفيذها في فلسطين أيضاً، وأن تقوم بتسريع وتكثيف محاربة الكيان الصهيوني من خلال تشكيل جيش موحد ومتماسك بقيادة واحدة، وتستهدف عملياً وجود الكيان الصهيوني المجرم “بانتصارات استراتيجية” على المدى المتوسط.
0 تعليق