المجلس الإستراتيجي أونلاين ـ رأي: تسير الحرب في أوكرانيا بما لا ينسجم مع أهداف ومصالح ورؤى السياسة الخارجية للولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي والحلفاء الأوروبيين. خلال الأشهر العشرة الماضية، اتخذ الأمريكيون العديد من الإجراءات في شكل مساعدة استخبارات - عسكرية، وتحركات سياسية ودبلوماسية ودولية، وعقوبات اقتصادية، وما إلى ذلك لـ "أهداف تكتيكية" تتمثل في هزيمة روسيا أو إضعافها أو إيقافها، لكنها لم تحقق نتائج منشودة وحقيقية في هذا المجال.
حميد خوش آيند ـ خبير في الشؤون الإقليمية
قدم البيت الأبيض حتى الآن أكثر من 100 مليار دولار من المساعدات لأوكرانيا، بما في ذلك 60 مليار دولار من المساعدات العسكرية و 27 مليار دولار من المساعدات للحكومة و 15 مليار دولار في شكل مساعدات سمّيت بالإنسانية. تأتي بريطانيا في المرتبة الثانية بأكثر من 5 مليارات دولار من المساعدات العسكرية. ويأتي الاتحاد الأوروبي وألمانيا وبولندا وإستونيا وكندا أيضاً في المراتب التالية من حيث مساعدات الأسلحة لأوكرانيا.
تم تقديم هذه المساعدات لمواجهة تقدم الروس في أوكرانيا وتقوية جبهة الأخيرة على المدى القصير؛ إلى جانب ذلك، تتبع تلك المساعدات “أهدافاً إستراتيجية” من وراء الكواليس ويمكن تقييمها في إطار “إبقاء أجواء الصراع ضد روسيا قائمة” وكذلك “إنعاش أسواق السلاح” مما أدخلت حتى الدول الأوروبية في أجواء هذا الصراع و جعلها في خدمة مصالح الولايات المتحدة، من خلال عملية مكلفة.
على الرغم من أن روسيا قد تعرضت لأضرار كبيرة بسبب الحرب في أوكرانيا في الأشهر العشرة الماضية، إلا أن الولايات المتحدة لم تكن قادرة على تحقيق أهدافها المعادية لروسيا في هذه الحرب. في الوقت نفسه، رسمت الحرب في أوكرانيا “آفاقاً مقلقة” أمام الدول الأوروبية وحلف شمال الأطلسي.
تُظهر التصريحات المثيرة للتأمل التي أدلى بها ينس ستولتنبرغ، الأمين العام لحلف الناتو، قبل أسابيع عمق قلق الأوروبيين بشأن استمرار هذه الحرب العسكرية والاقتصادية والسياسية والأمنية المكلفة. قال ستولتنبرغ في خطاب إن “انتصار روسيا سيكون أمراً سيئاً بالنسبة لحلف شمال الأطلسي بأسره، لأنه سيرسل رسالة ليس فقط إلى بوتين ولكن أيضاً إلى القادة الاستبداديين مثل قادة الصين بأنهم يستطيعون تحقيق أهدافهم باستخدام القوة العسكرية”.
أدت الجهود المبذولة لتحقيق نتائج إستراتيجية في الحرب في أوكرانيا وحل المخاوف القائمة إلى سيناريو جديد تسعى فيه إدارة الولايات المتحدة، إلى جانب الناتو، إلى “فتح جبهة جديدة ضد روسيا” عبر جورجيا. وبحسب المعلومات التي قدمتها روسيا في هذا الصدد، فإن الناتو والولايات المتحدة يحرضان جورجيا على إثارة نزاع في أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا، وبالتالي توريط روسيا في القوقاز.
في هذا الصدد، قال “دينيس غونشار”، رئيس الدائرة الرابعة لرابطة الدول المستقلة في وزارة الخارجية الروسية، إن “كييف وعواصم غربية وجهت نداءاً استفزازياً إلى جورجيا تطالب فيه بفتح جبهة ثانية ضد روسيا”.
مع أن هذه القضية كانت مطروحة منذ الأشهر الأولى من الحرب في أوكرانيا، لكن في الأسابيع الأخيرة ازداد الضغط على جورجيا.
من خلال توريط روسيا في أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية، تحاول الولايات المتحدة تحويل جزء مهم من تركيز روسيا من أوكرانيا إلى الصراع في القوقاز وإلى حد كبير تغيير “ميزان الحرب” في أوكرانيا لصالح الولايات المتحدة والحلفاء الأوروبيين، ولكن بالنظر إلى التحديات والعقبات القائمة، فضلاً عن الاعتبارات التي لدى جورجيا في هذا الصدد، فإن تحقيق هذا الأمر مستحيل عملياً للأسباب التالية:
أولاً؛ تُظهر تجربة تطورات السنوات الماضية في تبليسي وموسكو أن جورجيا هي جبهة مهزومة مسبقاً لتوريط روسيا في القوقاز. تُدار أوسيتيا وأبخازيا بشكل مستقل منذ انهيار الاتحاد السوفيتي واستقلال جورجيا. في عام 2008، بتحريض من الناتو، حاولت جورجيا ضم هذه المناطق بهجوم عسكري قوبل برد قاس من الجيش الروسي.
أصبح مواجهة جورجيا مع روسيا في عام 2008 تجربة مكلفة لرجال الدولة في تبليسي، لذلك على الرغم من الادعاءات التي لا تزال لديهم بشأن المنطقتين المذكورتين، لم يدخلوا في مواجهة مع موسكو مرة أخرى.
ثانياً؛ بالنسبة لجورجيا، فإن تجدد الصراع على أبخازيا وأوسيتيا أو أي قضية أخرى مصحوب بعواقب مدمرة يتجنبها حتى الرأي العام في هذا البلد. وفقاً لاستطلاعات الرأي، يعارض 93 في المائة من الجورجيين اللجوء إلى الآليات العسكرية لمواجهة روسيا بشأن أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا ويفضلون الحلول الدبلوماسية على أي طريقة أخرى. في هذا الصدد، وعلى الرغم من معارضة هجوم روسيا على أوكرانيا، فقد اتخذت جورجيا جانب الحذر والحياد ولم تنضم حتى إلى العقوبات ضد روسيا.
ثالثاً؛ تجربة الحرب في أوكرانيا والسلوك المتناقض والمزدوج للولايات المتحدة وأوروبا تجاه أوكرانيا والكشف عن أبعادها المعلنة والمخفية، حيث حولت تلك الدول قضية وجود وبقاء دولة إلى أداة لتعزيز مصالحها، أثارت أجواء تشاؤم قوية لدى الرأي العام وأجهزة الحكم في جورجيا لكي لا تقع هذه الدولة في “فخ أكثر خطورة” من الذي أعد لأوكرانيا.
رابعاً؛ على افتراض بدء الصراع مع روسيا، ليس هناك ما يضمن أن الجورجيين يخوضون حرباً مع عدم وجود ضمان بأن الولايات المتحدة وأوروبا وحلف شمال الأطلسي تدعمهم فيها بالأسلحة؛ وهي حرب ستكون أبعادها ونطاقها أكبر من أوكرانيا وبالتالي تسبب آثاراً مدمرة. يعرف الجورجيون جيداً أن أوكرانيا اليوم تحتاج إلى أكثر من عشرين عاماً وأكثر من 700 مليار دولار من الموارد المالية ـ في أكثر الحالات تفاؤلاً ـ للعودة إلى الوضع الذي كانت عليه قبل عشرة أشهر!
الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون، على عكس ادعاءاتها و”تظاهرها بدعم السلام” بشأن قضية أوكرانيا وتأكيدها في المواقف المعلنة على دعم حلول وآليات لوقف الحرب في أوكرانيا، أظهرت في الممارسة العملية أنها ترحب بأي خيار، حتى مع احتمال ونسبة نجاح منخفضة للغاية، يمكنه الإبقاء على أجواء الحرب في أوكرانيا والبيئة المحيطة بروسيا قائمة؛ الحقيقة التي اتضحت بالكامل ليس فقط لجورجيا بل للمجتمع الدولي أيضاً.
0 تعليق