المجلس الاستراتيجي اونلاين ـ رأي: الجهود المبذولة لإنشاء منطقة آمنة في شمال سوريا هي انتهاكاً للسيادة الوطنية السورية وسلامة أراضيها من قبل الحكومة التركية والتي من شأنها أن تكون "مكلفة" للغاية لأنقرة.
برسام محمدي ـ خبير في الشؤون الإقليمية.
خلال السنوات الأخيرة وبالتوازي مع انتشار الصراعات العسكرية والسياسية والأمنية في عدد من الدول العربية وغير العربية أصبحت مناطق تتراوح من غرب آسيا إلى شمال أفريقيا مسرحاً لتعزيز “الطموحات المتنامية” للحكومة التركية. وفي أحدث خطوة توسعية لتركيا، قال رئيس البلاد في تصريحات إن الجيش التركي سيشن عملية عسكرية جديدة لإنشاء “مناطق آمنة” على بعد 32 كيلومتراً على طول الحدود الجنوبية مع شمال سوريا. منذ عام 2016 سعت حكومة أردوغان دائماً إلى إنشاء منطقة آمنة في شمال سوريا لكنها فشلت في دفع بالخطة قدماً كل مرة بسبب المعارضات والعقبات الدولية والإقليمية. تعتقد الحكومة التركية أنه من خلال تطهير تل رفعت ومنبج غرب الفرات اللتين أصبحتا مصدراً لما يسمى بالهجمات الإرهابية ضد تركيا وبالتالي من خلال السيطرة على الطريق السريع M-4 أصبح من اليسير إطلاق عملية حثيثة وموجهة نحو الأهداف وواسعة النطاق كما وأنه زاد من وتيرة الاستعدادات لعودة المهاجرين السوريين إلى “عمق آمن يبلغ 32 كيلومتراً.”
المتغيرات الفعالة في الحديث مجدداً عن منطقة آمنة
يبدو أن هناك متغيرين مهمين فعالين في الحديث مجدداً عن إنشاء منطقة آمنة في شمال سوريا: الأول، “الحرب الأوكرانية” والثاني، “الضوء الأخضر الأمريكي”. وفي هذا الصدد لا يمكن أن تكون إعادة تسمية منطقة آمنة عديمة الصلة بمعركة أوكرانيا. فقد أتاحت الحرب الأوكرانية التي خطفت إليها أضواء القوى الكبرى بما في ذلك روسيا “فرصة” لتركيا لتفعيل خطة كانت مطلوبة لها منذ سنوات على هامش الصراع لكنها اصطدمت كل مرة برفض روسيا وغيرها من القوى الإقليمية والعالمية. أدى الوجود الروسي المباشر في الصراع الأوكراني إلى تقليل تركيزها السياسي والأمني وحتى العسكري في سوريا والنأي بنفسها إلى حد ما عن تطورات البلاد. ترى الحكومة التركية في ذلك فرصة كبيرة لنفسها للتحضير لإنشاء منطقة آمنة في شمال سوريا في أسرع ما يمكن من الوقت في ظل انشغال القوى العظمى العالمية بالحرب الأوكرانية بدعم من الجماعات المدعومة منها في شمال سوريا والتي لا ترتبط بعلاقات جيدة مع روسيا مترقبـة فشل موسكو بأوكرانيا.
فضلاً عن ذلك لا يمكن تقديم الخطة المار ذكرها و لا تطبيقها على أرض الواقع دون علم الولايات المتحدة بها و التنسيق معها و دعمها. هناك ملاحظتان هامتان حول هذا الموضوع:
الأولى: تشير المعلومات المتاحة إلى أنه خلال الأشهر الأخيرة انعقدت عدة اجتماعات بين ضباط عسكريين من البلدين في شمال سوريا. والثانية: في اجتماع عقد مؤخراً بين وزيري الخارجية التركي والأمريكي في نيويورك تمت مناقشة خطة إنشاء منطقة آمنة. يبدو أن الولايات المتحدة “وافقت” على تنفيذ الخطة من وراء الكواليس بسبب حاجتها إلى تركيا في عزلها للروس في الصراع الأوكراني مع الأخذ بعين الاعتبار بعض الاعتبارات.
أهداف تركيا المعلنة والمطبقة
أما بالنسبة لإنشاء تركيا منطقة آمنة في شمال سوريا فيمكن تحديد فئتين من الأهداف “الإعلانية” و”التطبيقية.”
الأهداف المعلنة: إن منع الأكراد السوريين من اكتساب القوة وهو ما تعتبره أنقرة تهديداً لنفسها يعد الهدف الأهم المعلن في هذا الصدد. كما و بطبيعة الحال هذه أيضاً مسألة استهلاك محلي لحكومة أردوغان قبل خوضها الانتخابات الرئاسية في العام المقبل والتي تواجه انتقادات لاذعة بسبب التهديدات الكردية.
كان احتواء الإرهاب الكردي من أصل سوري مبرراً دائماً لحكومة أردوغان لإنشاء منطقة آمنة في سوريا. وتحقيقاً لهذه الغاية أجرت تركيا بالفعل ثلاث عمليات في شمال سوريا: عملية عسكرية غرب الفرات تعرف باسم “درع الفرات” في عام 2016، وعملية عسكرية في عفرين تعرف باسم “غصن الزيتون” في عام 2018، وعملية عسكرية شرق الفرات تعرف باسم “نبع السلام” في عام 2019.
إن إنشاء منطقة بطول 30 كيلومتراً للنقل الآمن للاجئين السوريين إلى وطنهم، وبالتالي تقليل تكلفة إعادة توطينهم في تركيا، هو هدف آخر معلن.
الأهداف التطبيقية: الهدف الذي دفع بتركيا إلى إنشاء منطقة آمنة على طول حدودها الجنوبية مع سوريا هو تحقيق المصالح الاستراتيجية و”طويلة الأجل” التي تسعى إليها أنقرة منذ سنوات. في هذا السياق هناك هدفان رئيسيان لهما أهمية خاصة:
الأول: تمتين وتعزيز نطاق الوجود والنفوذ في سوريا في الوقت الذي بدأ الروس بتخفيض قواتهم تدريجياً.
الثاني: تغيير النسيج الديموغرافي لشمال تركيا من خلال إرسال مواطنين أتراك إلى شمال سوريا وبالتالي تسهيل انضمامها إلى تركيا.
التداعيات
تعد الجهود المبذولة لإنشاء منطقة آمنة في شمال سوريا انتهاكاً للسيادة الوطنية السورية و سلامة أراضيها من قبل الحكومة التركية الأمر الذي قد يكون “مكلفا” للغاية بالنسبة لحكومة أنقرة. وتعد هذه الخطوة سبباً واضحاً لتدخلات الحكومة التركية غير القانونية في شمال سوريا وعرقلة اجتياز سوريا الأزمة ما قد يؤدي إلى “رد قاس” من قبل الحكومة والجيش السوري على التدخلات العسكرية التركية.
“الصراع مع روسيا” هو نتيجة أخرى محتملة لإنشاء منطقة آمنة في شمال سوريا. على الرغم من أن الروس قد خفضوا جزئياً وجودهم العسكري في سوريا بهدف تعزيز ساحة المعركة في أوكرانيا إلا أن هذا لا يعني أبداً “التراجع عن الخطوط الحمراء السياسية والميدانية” للبلاد في سوريا.
في غضون الأيام الماضية و على أعقاب إعلان تركيا عن عملية وشيكة في شمال سوريا عززت روسيا مواقعها من خلال إرسال الإمدادات العسكرية بما في ذلك الطائرات الحربية والمروحيات إلى قاعدتها العسكرية في مطار القامشلي في شمال شرق سوريا. يأتي ذلك بعد أن أكد وزير الخارجية الروسي أن موسكو ستواصل دعم القيادة السورية لاستعادة وحدة أراضيها بالكامل.
النقطة الأخيرة
إن الجهود المبذولة لإنشاء منطقة آمنة في شمال سوريا هي جزء صغير من “لغز كبير” للحكومة التركية في المنطقة يمكن تقييمه في إطار سياسات أنقرة العثمانية الحديثة والتي كانت غير قابلة التنفيذ على الرغم من الجهود المكثفة لتحقيق ذلك. ليس لدى الشعوب العربية ذكريات وتجارب جيدة من الإمبراطورية العثمانية لذلك فهي تقاوم أي استراتيجية وسياسة وجهود لاستعادة المكانة الماضية للإمبراطورية العثمانية في أوطانها.
0 تعليق