المجلس الإستراتيجي أونلاين ـ رأي الضيف: يخطط الجيش الصيني للتحول إلى أكبر قوة بحرية في العالم بحلول عام 2050؛ الهدف الذي ينسجم مع ما أعلنته الصين في عام 2015 بأنها تنوي الوصول بالبلاد إلى دولة اشتراكية حديثة حتى عام 2049.
مريم وريج كاظمي ـ باحثة في القضايا الإستراتيجية
انطلاقاً من هذا الهدف، فإن استثمار الصين في تطوير وتحديث أسطولها البحري من أجل تعزيز الوجود في المحيطات، خاصة المحيط الهندي، يزيد من نفوذها المتنامي من خلال تحكّمها بطرق التجارة البحرية؛ الأمر الذي يمكّن بكين من بسط هيمنتها. بإمكان الصين اعتماد إستراتيجية أمنية قائمة على توظيف الاستثمارات في البنى التحتية البحرية لزيادة نفوذها السياسي وتعزيز وجودها العسكري؛ لأن البنى التحتية البحرية يمكن استخدامها للأنشطة التجارية والعسكرية على حد سواء.
مع ذلك، تتركز خطط تعزيز القوة البحرية الصينية ـ وفق وثائقها الوطنية ـ على التحكم بالمياه الساحلية والدولية؛ وعليه، تتبع تحديث وزيادة عدد الفرقاطات والمدمرات والغواصات وغيرها من المعدات العسكرية واستبدال الأدوات القديمة بها. يمتلك الجيش الصيني اليوم عدداً لافتاً من المقاتلات وحاملتي الطائرات لياونينغ وشاندونغ. أعلنت الصين أنها بدأت بناء حاملة طائرات محلية ستكون جاهزة بحلول عام 2025. ووفقاً للخبراء العسكريين، تحتاج الصين إلى ما لا يقل عن 3 حاملات طائرات للحفاظ على وجودها في المياه البعيدة عن شواطئ البلاد؛ حيث يؤثر ذلك بشكل مباشر على قدرات الجيش الصيني على تحقيق وجود قوي ومستدام في منطقة المحيط الهندي الذي يُعَدّ اليوم بؤرة التنافس الجيوسياسي بين القوى العالمية للحفاظ على مصالحها الاقتصادية – التجارية المتنوعة. فتسعى تلك القوى إلى بناء منشآت مينائية وصناعية على طول طرق التجارة في هذه المياه لرصد المنافسين والرقابة عليهم من جهة، ومتابعة سياساتها من جهة أخرى.
في هذا السياق، أبحرت غواصة من فئة شيانغ إلى المحيط الهندي عبر مضيق مالاكا في أواخر عام 2013 لمهمة مكافحة القرصنة. ووفرت مشاركة الغواصة في هذه المهمة فرصة لطاقمها لتجربة مهمة طويلة الأمد، فضلاً عن جمع معلومات شاملة ومفيدة عن المحيط الهندي. زادت المهمتان التاليتان لغواصات فئة شيانغ في منطقة المحيط الهندي، في كلمبو في نوفمبر 2014 وكراتشي في مايو 2015، من خبرة طاقمها. ومن شأن المعلومات التي تم جمعها خلال هذه المهمات في مجال علم المحيطات أن تعزز استعداد البحرية الصينية لانتشار طويل الأمد وتأهبها لحروب محتملة مستقبلية. وشهدت الكثير من مهمات الأساطيل الصينية لمكافحة القرصنة مواكبة سفن أخرى في الإبحار نحو عدن أو العودة منها. كما أن البحرية الصين قد أجرت تدريبات منتظمة مع القوات البحرية الأسترالية والدنماركية والباكستانية في منطقة المحيط الهندي.
من جهة أخرى، ساعدت البحرية الصينية على إجلاء رعايا الصين والدول الأخرى من ليبيا في عام 2011 واليمن عام 2015. فضلاً عن ذلك، كان دخول فرقاطة Xuzhou، التي تُعتبر من الفرقاطات الصينية الأكثر تطوراً، إلى المياه القريبة من ليبيا لحماية وإجلاء الرعايا الصينيين سابقة من نوعها. خصصت الحكومة الصينية أربع طائرات نقل ثقيلة بالإضافة إلى عدد من الطائرات غير العسكرية والمركبات البحرية لهذه العملية التي أنجِزت بنجاح كبير ليكون دليلاً على القدرات التي تتمتع بها البحرية الصينية في المياه البعيدة عن شواطئها. جرت العملية التالية في اليمن في مارس 2015 بمشاركة السفن التي كانت متواجدة في خليج عدن لمكافحة القرصنة. رغم أن نطاق هذه العملية كان أضيق بكثير مقارنة بعملية ليبيا، لكن استخدام سفن القوة البحرية برهن على إرادة الحكومة الصينية لحماية رعاياها حتى في المناطق البعيدة جداً.
بالرغم من ذلك كله، تواجه البحرية الصينية مشاكل في منطقة المحيط الهندي أحدها الافتقار للمطارات فيها. إلا أن استخدام مطارات في جيبوتي سيوفر حلاً للمشكلة إلى حد كبير. عدا ذلك، بإمكان البحرية الصينية الاعتماد على المطارات في دول مثل باكستان وكذلك استخدام طائرات Y-8 الحديثة المتعددة المهام في حالات الطوارئ والأزمات. كما أن للصين محطات رصد إلكتروني في منطقة المحيط الهندي خاصة في ميانمار يدل إنشاؤها على الأهمية التي توليها الحكومة الصينية لمنطقة المحيط الهندي وتطوير قوة بحرية متمكنة للقيام بمهام في المنطقة تحقيقاً لأهداف الصين الإستراتيجية.
إذن، يُعتبر إيلاء الاهتمام بالقدرات البحرية ودورها الإستراتيجي وخاصة تنامي التعويل عليها في مشاريع مثل طريق الحرير البحري أبرز نظرية عسكرية لدى الصين. من هنا، فإن بناء قوة بحرية حديثة وقوية يُعَدّ أمراً ضرورياً وأساسياً لحماية طريق الحرير البحري وتأمينه. أنشطة البحرية الصينية في منطقة المحيط الهندي على مر العقد الماضي قدمت هذا البلد على المستوى الدولي كقوة بحرية قادرة على القيام بمهام خارج مياهها. إلا أنه يجب أن يؤخذ في الاعتبار أن الجيش الصيني يفتقر على المدى القريب على الأقل لقدرة الحفاظ على وجود واسع ومستدام في منطقة المحيط الهندي مثل بحرية الولايات المتحدة. رغم ذلك، يكتسب الجيش الصيني خبرات عملياتية في المنطقة بشكل متسارع يمكن التعويل عليها لتحقيق ميزة تكتيكية في الظروف الصعبة. كما أن تحديث القوة البحرية وتطويرها من خلال زيادة عدد الصواريخ المضادة للسفن والطائرات والغواصات وكذلك نشر حاملات الطائرات والاعتماد على المعدات العسكرية الآلية يدفع الصين إلى تطورات هائلة يمكن اعتبارها خطوات باتجاه التعامل الاقتصادي ـ التجاري مع الدول التي تقع على طريقي الحرير البحري والقطبي.
يبدو أن من شأن استثمارات الصين في تحديث معداتها البحرية أن تحوّل التعاون القائم على الشراكة الإستراتيجية بين منافسيها إلى معضلة جيوسياسية عصية على الحل بالنسبة لها والتي ستنتهي إلى خلق الأزمات وزعزعة النظام الأمني في محيط الصين. لا شك في أن المساعي الواسعة الأمريكية والهندية لتقييد قدرات الصين في الرقابة على الطرق البحرية والتحكم بها تهدف إلى زيادة النفوذ في منطقة المحيط الهندي. مع ذلك، من الواضح أن الصين تواصل تركيزها على تحديث بحريتها من أجل تطوير قدراتها الجيواقتصادية والرقابة على والتحكم بالأسواق العالمية عبر مبادرة الحزام والطريق، ولا تنوي التوقف عن استكمال المشوار.
0 تعليق