المجلس الإستراتيجي أونلاین ـ حوار: مشیراً إلى أن إيمانويل ماكرون لم يكن له سجل حافل بالنجاح في الساحة الاقتصادية في السنوات الخمس الماضية، أكد محلل في الشؤون الأوروبية: إذا كان بإمكانه قيادة أوروبا إلى إقامة آليات دفاعية وأمنية مستقلة، فإنه سوف يستخدم هذه الورقة في الحملة الانتخابية؛ ولكن على الرغم من التحديات العديدة التي تواجهها أوروبا، لا يبدو أن الاتحاد الأوروبي قادر على تحقيق أهدافه الأمنية بسهولة على أساس سياسة دفاع مستقلة.
في حديثه إلى موقع المجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية، أشار مرتضى مكي إلى تصريحات الرئيس الفرنسي في مؤتمر صحفي مشترك مع رئيس المفوضية الأوروبية، الذي قال إن الاتحاد الأوروبي سيضع اللمسات الأخيرة على البوصلة الاستراتيجية والاستراتيجية الجيوسياسية للاتحاد الأوروبي خلال الأشهر الستة للرئاسة الفرنسية، وقال: تتولى فرنسا الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي في وقت يواجه الاتحاد تحديات سياسية واقتصادية وأمنية وصحية خطيرة.
ومشيراً إلى أنه كان من المتصوَّر بحلول نهاية عام 2022، يمكن لأوروبا والعالم أن يتخلصوا من تداعيات تفشي كورونا، ويعوضوا التداعيات الاقتصادية السلبية، وأن يسلكوا طريق النمو الاقتصادي والازدهار، أضاف قائلاً: على الرغم من أن الاتحاد الأوروبي حقق نمواً اقتصادياً جيداً في عام 2021 مقارنة بالماضي، إلا أن استمرار متحوّرات كورونا الجديدة أظهر أن العالم يجب أن يستمر في انتظار إجراءات جديدة لمواجهة جائحة كورونا.
مشاكل الاتحاد الأوروبي الخطيرة والمتعددة الأوجه
أكد المحلل في الشؤون الأوروبية: يواجه الاتحاد الأوروبي أيضاً مشاكل اقتصادية وأمنية خطيرة. قيل إنه مع انسحاب بريطانيا من الاتحاد، ستتمكن فرنسا وألمانيا، اللتان اتبعتا دائماً سياسة دفاع وأمن مستقلة، من تحقيق ترتيبات أمنية مستقلة بسهولة أكبر، ولكن بسبب عدم وجود الإرادة بين أعضاء هذا الاتحاد في مجال السياسة الخارجية والأمنية المشتركة، وبسبب التغيير في نهج السياسة الخارجية والأمنية للولايات المتحدة، من أوروبا إلى الشرق الأقصى وتوقيع معاهدة أوكوس، فان أوروبا دخلت في مرحلة من الارتباك وعدم اليقين الاستراتيجي.
في إشارة إلى توجه الرئيس الفرنسي المماثل لرئيس المفوضية الأوروبية باعتباره الذراع التنفيذي للاتحاد الأوروبي، قال مكي عن تأثير هذا التوافق على تنفيذ الأفكار الفرنسية: بالنظر إلى الوضع الحالي، لا يبدو أن الاتحاد الأوروبي قادر على تحقيق أهدافه الأمنية بسهولة على أساس سياسة دفاع مستقلة.
التحديات الانتخابية لماكرون
ومذكّراً بأن فرنسا تواجه أيضاً وضعاً ملتهباً داخلياً، أضاف: التطور الأهم في الأشهر المقبلة هو الجدل الدائر حول الحملة الانتخابية الرئاسية في هذه الدولة. بالنظر إلى نمو اليمين المتطرف في فرنسا، هناك العديد من المخاوف بشأن تغيير الاتجاهات السياسية في هذه الدولة. كان من المرجّح أن ماكرون سيخوض معركة شرسة وناجحة في نفس الوقت لابقاء نفسه، لكن مع وصول مرشحين جدد، وخاصة المرشح اليميني المتطرف “إريك زيمور”، قوبل فوز ماكرون في انتخابات مايو بشكوك جدية.
ومشيراً إلى أنه على الرغم من هذه الظروف المحلية والدولية، لا نتوقع مشاهدة تحوّل جاد في الاتحاد الأوروبي لتعزيز التضامن السياسي والدفاعي، أضاف الخبير في القضايا الأوروبية: لقد أظهرت الأزمة في أوكرانيا في الوضع الحالي بوضوح أن الأوروبيين أمامهم طريق طويل لتحقيق آلية أمنية ودفاعية مستقلة، وأن هناك فجوة عميقة في الاتحاد الأوروبي فيما يتعلق بكيفية التعامل مع القضايا الرئيسية و الكبرى.
وأوضح مكي: تطالب دول أوروبا الشرقية بعمل سياسي واقتصادي وعسكري جاد ضد روسيا، ومن ناحية أخرى لا ترتبط دول أوروبية كبيرة مثل فرنسا وألمانيا بهذه السياسة وتسعى لإدارة التوترات في مواجهة روسيا. أعلنت ألمانيا صراحةً أنها كانت تحاول احتواء روسيا من خلال زيادة الاعتماد المتبادل بين الدولتين، وتم مد خط أنابيب نورد استريم 1 و 2 في البحر الأسود بالنظر لهذه السياسة.
وبحسب هذا الخبير في الشؤون الأوروبية، فإن الرأي العام في هذه القارة حساس للغاية لأي تدخل عسكري أو مواجهة خارج أوروبا أو في محيط حدودها، مما يؤدي إلى اختيار سياسات محافظة إزاء العمل العسكري ضد روسيا.
تحرير استراتيجية دفاع مستقلة خلال الأشهر الستة المقبلة؟
أكد الخبير: بالنظر إلى كل هذه التطورات، لا يبدو أنه سيتم اتخاذ إجراءات جادة في الاتحاد الأوروبي خلال الأشهر الستة المقبلة نحو استراتيجية دفاعية مستقلة؛ بدلاً من ذلك، يتركّز كل الاهتمام على الشؤون الداخلية لفرنسا ومن سيقود البلاد على مدى السنوات الخمس المقبلة في قصر الإليزيه في مايو.
وحول تداعيات فشل وعود فرنسا في إنشاء آليات دفاع وأمن مستقلة وانعكاساتها السلبية على الرأي العام الأوروبي وفي مواجهة الولايات المتحدة ، قال مكي: بعد الحرب العالمية الثانية، سعى الأوروبيون دائماً للتحرك نحو تضامن أكبر للهروب من ظل الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي. يتجاوز الهدف النهائي لأوروبا التقارب السياسي والاقتصادي، لأنهم يسعون أيضاً إلى التقارب الدفاعي والأمني، لأن التقارب الاقتصادي وحده لا يمكن أن يجعلهم مركز القوة في العالم.
ونوه بالجهود الأمريكية للاحتفاظ بمظلته العسكرية والأمنية فوق أوروبا وإحداث شرخ فيها، و أردف قائلاً: الآن وبعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، تسعى فرنسا إلى تحقيق تطلعاتها السابقة في مسار الاستقلال الأوروبي، لكن الفجوات والخلافات التي حدثت خلال العقود الستة الماضية مازالت تمنعنا من أن نرى إبرام معاهدة أمنية أوروبية مستقلة على المدى القريب والمتوسط، وما يحدث سيكون ضئيلاً وغير كافٍ ولا يبدو أن له تأثير كبير على أداء دور أوروبا في مسار التطورات.
أما بالنسبة لأهداف فرنسا من شعار وضع اللمسات الأخيرة على خطة البوصلة الاستراتيجية خلال الأشهر الستة المقبلة، صرح مكيّ: من المؤكد أن الرؤساء الفرنسيين يسعون لتحقيق أهداف متعددة الأطراف في تبني مقارباتهم الأوروبية والعابرة للقارات، لكن ماكرون لم يترك سجلاً ناجحاً في الساحة الاقتصادية خلال السنوات الخمس الماضية، وإذا كان بإمكانه الآن قيادة أوروبا في مسار إقامة ترتيبات دفاعية وأمنية مستقلة، فيمكنه بالتأكيد استخدام هذا الانجاز في الحملة الانتخابية.
0 تعليق