المجلس الإستراتيجي أونلاين ـ حوار: أشار أحد أعضاء هيئة التدريس في معهد الدراسات الإستراتيجية إلى افتقار الإرادة السياسية الموجهة للعمل، كأهم عقبة أمام تحقيق فكرة البوصلة الإستراتيجية الأوروبية وقال: نحو تحقيق هذه الاستراتيجية، يواجه الاتحاد الأوروبي عدداً من التحديات التي تلقي بظلال من الشك على تحقيق هذه الرؤية على المدى المتوسط، مما يضيفها إلى قائمة آمال الاتحاد الأوروبي التي لم تتحقق.
في حوار مع الموقع الإلكتروني للمجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية، أوضح ياسر نورعلي وند أبعاد وأهداف مشروع “البوصلة الإستراتيجية” للاتحاد الأوروبي، واعتبر التنبؤ بالتهديدات وتحديدها وتقديم تقييم مشترك للبيئة الاستراتيجية للاتحاد الأوروبي بين الأعضاء، كأحد أهم الأهداف وأردف قائلاً: يسعى الاتحاد الأوروبي من خلال رسم بوصلة استراتيجية إلى خلق رؤية مشتركة أو “ثقافة استراتيجية” بين أعضائه في مجال الأمن والدفاع، وهي قضية يعاني الاتحاد الأوروبي من عدم تحققها.
أهداف البوصلة الاستراتيجية
مشيراً إلى أن الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي ليس لديها فهم موحد للتهديدات، خاصة في مجالات الأمن والدفاع، أفاد: يسعى الاتحاد الأوروبي إلى زيادة الاستعداد للعمليات، و بناء القدرة على العمل المستقل، بالإضافة إلى تعميق الشراكات الاستراتيجية بين الأعضاء، وتحسين القدرة على العمل الجماعي، لكنه فشل حتى الآن في القيام بذلك.
وأشار محلل الشؤون الأوروبية إلى تحفيز الإبداع في مجال الأمن والدفاع الأوروبي في ضوء التطورات في مجال التقنيات الجديدة كهدف آخر في تقديم هذه الخطة، وتابع: يسعى الاتحاد الأوروبي في إطار هذه الخطة إلى معالجة نقاط الضعف في سياسة الدفاع والأمن الأوروبية المشتركة وبناء التماسك بين المبادرات التي تم تنفيذها منذ عام 2016.
ووصف نورعلي وند “التعاون المنظم الدائم” و “صندوق الدفاع الأوروبي” و “المراجعة السنوية المنسقة للدفاع” ضمن البرامج التي تنتهجها البوصلة، وأضاف: لهذه البوصلة أربعة أهداف مهمة على مستوى العمليات، بما في ذلك تطوير قوة رد سريع قوامها 5000 جندي، وتركيز قوي على التعاون البحري، وإنشاء صناديق أدوات مختلطة للتهديدات الهجينة والمختلطة، وكذلك التأكيد على البعد العسكري للتقنيات الجديدة، مثل الذكاء الاصطناعي، والفضاء، والمجال السيبراني ومكافحة التجسس، لا سيما في مجال وسائل التواصل الاجتماعي.
غموض في إمكانية تنفيذ الاستراتيجية الدفاعية
مشيراً إلى أن الاتحاد الأوروبي يسعى إلى التحول من لاعب اقتصادي إلى لاعب استراتيجي وحاسم في النظام الدولي، أضاف: بهذه الطريقة، يواجه الاتحاد الأوروبي عدداً من التحديات التي تلقي بظلال الشك على تحقيق هذه الرؤية على المدى المتوسط ويبدو أنها تضيفها إلى قائمة التطلعات غير القابلة للتنفيذ للاتحاد الأوروبي.
وأشار الخبير في الشؤون الأوروبية: في وقت سابق، قدمت أوروبا خططاً أخرى سعت إلى تحقيق أهداف البوصلة الاستراتيجية، لكن لم تحقق أي من تلك الأهداف، ويبدو أن هذه الخطة أيضاً ستواجه نفس المصير.
أوضح نورعلي وند: تعتبر تصورات الأعضاء ووجهات نظرهم المتضاربة حول شدة التهديد، ولا سيما الاختلافات في الرأي حول روسيا والصين والهجرة وغيرها من المجالات الاستراتيجية، مهمة للغاية. في الوقت نفسه، ستمنع القائمة الواسعة من التهديدات المذكورة في البوصلة الاستراتيجية إنشاء أجندة فعالة وقابلة للتنفيذ. بالإضافة إلى ذلك، يمكن تفسير تصميم هذه البوصلة على أنه “إعادة اختراع للعجلة”! لأنه بدلاً من تحسين الآليات القائمة وتقويتها، أعاد الاتحاد تقديم نفس الآليات بأدبيات أحدث.
ومؤكداً على أهمية تكييف عمليات الدفاع الوطني والاهتمام بالإستراتيجيات الدفاعية والوطنية لدول الاتحاد الأوروبي، تابع: لن تتعاون الدول في تنفيذه إذا لم يؤخذ بعين الاعتبار مواءمة هذه البوصلة مع السياسات الوطنية والامتثال لها وتغطيتها. بالطبع، فيما يتعلق بالميزانيات ومشتريات الدفاع، نرى أيضاً فجوة كبيرة بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، وبالنظر إلى الاختلافات بين الدول في هذا الصدد، لا يمكنها دعم البوصلة بشكل متساوٍ.
وأضاف الخبير في الشؤون الأوروبية: لا يوجد توازن وتطابق بين التهديدات المحددة والقدرات المتوفرة لهذه البوصلة؛ فالتهديدات عديدة وواسعة، لكن القدرات والآليات متكررة وعفا عليها الزمن. بالإضافة إلى ذلك، أظهرت الاقتصادات الأوروبية الضعيفة ضعفاً خطيراً بسبب وباء كورونا لأنها لم تكن قادرة بعد على التعافي بشكل صحيح من الأزمة الاقتصادية لعام 2008. في الوقت الحالي، هناك خمس دول أوروبية فقط تفي بنسبة 2٪ من الميزانية التي يتعين عليها تكريسها لحلف الناتو من ناتجها المحلي الإجمالي، كأهم أداة دفاعية وأمنية.
ضرورة الاهتمام بشفافية العلاقة بين البوصلة الإستراتيجية ومهام الناتو
وفي إشارة إلى ضرورة الاهتمام بشفافية علاقة البوصلة الاستراتيجية بمهام الناتو من أجل تحقيق رؤية واضحة، قال نورعلي وند: في هذا الصدد، ينبغي أيضاً النظر في الاعتماد الدفاعي والأمني الهيكلي للاتحاد الأوروبي على الولايات المتحدة. إن هذا الاتحاد غير قادر على ضمان دفاعه وأمنه في المستقبل المنظور بدون الولايات المتحدة.
وأشار إلى الافتقار للإرادة السياسية الموجهة للعمل كأهم عقبة أمام تحقيق فكرة البوصلة الاستراتيجية الأوروبية، وتابع: تعتبر الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي أن المجالات السياسية والأمنية هي مجال السيادة الوطنية والمعقل الأخير للدفاع عن سيادة حكومتها الوطنية، وليس لديها رغبة لتخويل حسم القرار في هذا الشأن للاتحاد الأوروبي.
وأشار الخبير في الشؤون الأوروبية إلى رغبة فرنسا في الاستقلال الاستراتيجي للاتحاد الأوروبي، خاصة بعد انتخابها ولعبها دوراً فاعلاً في هذا الصدد خلال رئاستها الدورية للاتحاد الأوروبي، مضيفاً: تحلم فرنسا، أكثر من أي دولة أوروبية أخرى، بأوروبا مستقلة. بالإضافة إلى ذلك، فقد سعوا دائماً إلى زيادة ثقلهم الدولي وتقريب أوروبا من حلم الوحدة الاستراتيجية والاستقلال من خلال لعب دور قيادي في الاتحاد. بعد البرِيكْسِت، وبسبب السياسة الخارجية الإنفعالية لألمانيا، مُنحت فرنسا الفرصة لتولي الدور القيادي، وهي فرصة يمكن استغلالها بشكل أكبر في ظل رئاستها الدورية للاتحاد الأوروبي.
في غضون ذلك، قال نورعلي وند: بالطبع، هناك شك جوهري في أن فرنسا وحدها يمكنها أن تنجح في ذلك. يعتمد أداء الاتحاد الأوروبي جوهرياً على مشاركة أعضائه وتعاطفهم، ولا يمكن لفرنسا إلا أن تلعب دور القوة الدافعة في ذلك. في الوقت نفسه، لا ينبغي تجاهل عامل الانتخابات الرئاسية المقبلة في فرنسا، لأنه إذا انتصر القوميون المتطرفون فإن أي فكرة تتعلق بالوحدة الأوروبية ستندثر، لكن إذا فاز ماكرون في الانتخابات المقبلة مرة أخرى، فيمكن أن نأمل أن تتقدم المناقشات حول الاستقلال الاستراتيجي الأوروبي والبوصلة الاستراتيجية، على الأقل في مجال الخطاب والحركة النظرية.
0 تعليق