المجلس الإستراتيجي أونلاين - مذكرة: إن قضايا كالمياه الإقليمية ومناطق معلومات الطيران والمناطق البحرية المتنازع عليها وتسليح الجزر وانتهاك حقوق الأقلية التركية في تراقيا (منطقة يقطنها المسلمون في اليونان) سببت في الكثير من الأحيان توترات بين أنقرة وأثينا خلال العقود الماضية. و تدل كل الشواهد علىى عدم وجود أية آفاق واضحة لخفض التوتر بين البلدين في المستقبل القريب.. أما المشاورات والاتفاقات التي حصلت بينهما فتفتقر للثبات اللازم وقد لا يكون التعويل عليها ممكناً.
محمود فاضلي - محلل الشؤون الدولية
حاولت تركيا في الآونة الأخيرة و بمختلف الطرق – ومن ضمنها توظيف الطاقات الدولية – تضخيم انتهاكات الحكومة اليونانية المحافظة لمعاهدات منع تسليح جزر بحري إيجة والمتوسط في الأوساط الدولية والإعلامية. من منظور تركيا، فإن استمرار اليونان بتسليح جزر بحري إيجة والمتوسط – رغم حظر ذلك وفق معاهدة لوزان لعام 1923 ومعاهدة باريس للسلام لعام 1947 – محوّلة إياها لترسانة أسلحة، هو عمل يهدد الأمن القومي التركي بشكل جدي. يزعم الأتراك أن جارتهم المشاكسة عملت منذ عام 1960 وبالاستناد إلى اتفاقية مونترو لعام 1960، على تسليح الكثير من جزر بحر إيجة خاصة ليمونس – سَمَدْرك بشكل متزايد.
استخدمت تركيا القنوات الدبلوماسية لتوضح للأوساط الدولية والإقليمة انتهاك اليونان السافر للأحكام الخاصة بالجزر. وتعتقد تركيا إن اليونان لو لم تلتزم بتعهداتها وفق المعاهدات، فلن يحق لها المطالبة بباقي الحقوق البحرية الواردة في هذه المعاهدات ومن ضمنها تحديد حدودها البحرية. قدمت تركيا عدة رسائل احتجاج ضد أثينا إلا أن الحكومة اليونانية – رغم عضويتها في حلف الناتو – تتجاهل المعاهدات الدولية وتؤجج التوترات.
يرى الأتراك أنهم يضطلعون بدور مؤثر للغاية في حفظ الأمن والاستقرار في شرقي المتوسط، وإن اليونان هي من تجري مناورات عسكرية مختلفة بغية استفزاز أنقرة وتعمد إلى تسليح الجزر بشكل غير قانوني وتقوم بتصرفات استفزازية في بحري إيجة والمتوسط خلافاً للقوانين الدولية. ورغم تحديد القانون نطاق المياه الإقليمية بـ 6 أميال، إلا أن اليونان تطالب بـ 10 أميال بحرية من المجال الجوي ما يتعارض مع القانون الدولي الجوي.
من منظور أنقرة، اليونان هي التي تهدد أمن تركيا بتصرفاتها وقد تنتهي اعتداءاتها إلى تأجيج التوتر وتداعيات سلبية تهدد السلام والأمن الدوليين. تسعى اليونان إلى اختزال الأمر في مشكلة واحدة بين البلدين وكأن المشكلة تقتصر فقط على تحديد الجرف القاري والمنطقة الاقتصادية الخالصة. بينما هي واحدة من المشاكل القديمة بين البلدين كتحديد المياه الإقليمية والمجال الجوي، والسيادة على الجزر والصخور التي لم تسلم لليونان وفق المعاهدات الدولية.
في المقابل، لا يبدي المحافظون اليونانيون أي ندم على عسكرة جزر إيجة فحسب، وإنما يتحدثون عن ضرورة ذلك طالما يوجد تهديد ضد الجزر اليونانية ويعتبرون ذلك ممارسة لحق السيادة. و تعتقد أثينا، أن أنقرة تهدد اليونان بشن حرب ضدها حال ممارسة حقوقها المشروعة، وتشكك في السيادة الوطنية وحقوق السيادة اليونانية، وتحتل أراضي دول أخرى وتزعزع استقرارها من خلال نشر قوات جيشها وعناصر عسكرية أخرى.
يبدو أن اليونان تتحدث عن السياسة الخارجية التي تبنتها في السنوات الأخيرة حكومة تركيا التي يترأسها حزب العدالة والتنمية والتي تقوم على العسكرة فحسب، حيث بدأت بشن عمليات عسكرية في سوريا واستمرت بإرسال قوات عسكرية إلى ليبيا وإنشاء قواعد عسكرية في قطر والصومال وخطوات للتنقيب عن النفط في شرقي المتوسط وإيجة بدعم من القوات البحرية التركية. فيبدو أن إردوغان الذي أنشأ خلال السنوات الماضية قواعد من البحر المتوسط حتى البحر الأحمر ومن المحيط الهندي حتى الخليج الفارسي، يسعى إلى إظهار تركيا كدولة مستقلة باستخدام أساطيله البحرية.
بالتزامن مع ذلك وخلال السنة الأخيرة التي تحملت تركيا فيها ضغوطاً دولية خاصة أوروبية حول القضايا المتنازع عليها مع اليونان وقبرص، سعت إلى التخلص من موجة الضغوط والانتقادات الدولية عبر إطلاق اتهامات ضد جارتها المشاكسة من جهة وإظهار نفسها دولة تريد علاقات حسن الجوار وتعايشاً سلمياً وتعاوناً مع جيرانها من جهة أخرى وذلك من خلال دعوة قادة اليونان إلى التراجع عن عسكرة الجزر والالتزام بتعهداتهم وفق المعاهدات الموجودة بين الجانبين.
لا شك في أن الانتهاك السافر للمعاهدات القائمة من قبل كلا الجانبين يزيد من التوتر في المنطقة ويساهم كل منهما في التصعيد في المنطقة المتوسطية من خلال تشكيل تحالفات إقليمية وإبرام اتفاقيات متعدد الجوانب. و حاولت اليونان خلال السنوات الأخيرة تحويل خلافاتها مع تركيا إلى خلافات بين تركيا و كل من الاتحاد الأوروبي و أمريكا و الناتو.
توجه البلدين الهجومي الذي يتعارض مع القوانين الدولية وانتهاكهما لقوانين المياه الإقليمية والجرف القاري وتسليح الجزر في بحر إيجة وشرقي المتوسط، يعرض أمنهما القومي لتحديات جدية. في الموجة الأخيرة من التوترات، لم تتحمل أي من الدولتين مسؤولية بدء واستمرار ذلك متهمة كل منهما الأخرى بمطالبة قدر أكبر من الحدود البحرية بالاستناد إلى الجزر الصغيرة الواقعة على بعد بضع كيلومترات من شواطئ بعضهما.
و تدل كل الشواهد علىى عدم وجود أية آفاق واضحة لخفض التوتر بين البلدين في المستقبل القريب. حتى إن المشاورات السياسية المنتظمة الجارية بين وزارتي الخارجية وتبادل الزيارات والاتصالات بين مسؤولي البلدين التي شهدت تكثيفاً وحتى العلاقات التجارية والسياحية والجوية والمشاريع المرتبطة بالخط الملاحي بين إزمير وتسالونيكي وربط سكة الحديد السريعة بين مدينتي إسطنبول وتسالونيكي و مد جسر جديد على أحد المعابر الحدودية وتسهيل إصدار التأشيرة لزيارة سبع جزر يونانية قريبة من شواطئ تركيا، كانت قد أثارت آمالاً لتحسين العلاقات لكن كل الاتفاقات المذكورة تفتقر للثبات اللازم و قد لا يكون التعويل عليها ممكناً.
0 تعليق