المجلس الإستراتيجي أونلاين – مذكرة: أثار مشروع الميزانية العسكرية الأمريكية لعام 2022 الذي قدمه الرئيس الأمريكي جو بايدن للكونغرس ردود أفعال داخل أمريكا وخارجها.
برسام محمدي – محلل الشؤون الدولية
تفاصيل الميزانية
طلب جو بايدن ميزانية بقيمة 753 مليار دولار للقطاعات العسكرية والدفاعية لعام 2022، ما يظهر زيادة بنسبة 1.6 في المئة أو ما يعادل 12.3 مليار دولار مقارنة بميزانية العام الماضي. في حال المصادقة على هذه الميزانية، ستصل 715 مليار دولار منها للبنتاغون مباشرة. كما طلب الرئيس الأمريكي من الكونغرس الموافقة على ميزانية بقيمة 665 مليار دولار لدعم أوروبا ومواجهة ما سماه التحديات المتزايدة من ناحية الصين وروسيا. وتشمل الميزانية العسكرية الأمريكية، فضلاً عن وزارة الدفاع، نفقات لوزارات أخرى كوزارة الطاقة (لارتباطها بالأسلحة النووية).
احتواء الصين وروسيا، وتحديث البرنامج النووي، ومواجهة التهديدات البيولوجية الحديثة، وتطوير وتحديث الصواريخ والأسلحة ماوراء الصوتية، وصنع وتطوير السفن ذاتية التحكم، والرادارات والمنظومات الصاروخية الحديثة، وصنع الأسلحة الهايبرسونيك (صواريخ فائقة السرعة التي تزيد سرعتها عن سرعة الصوت 27 مرة)، وشراء 85 مقاتلة إف 35 من إنتاج شركة لوكهيد مارتن، وإنشاء قوات الفضاء، وتخصيص 38 مليار دولار للبرامج الدفاعية المرتبطة بـ FBI، وتخصيص 100 مليار دولار لتغطية تكاليف الصواريخ الباليستية الحديثة العابرة للحدود، تعتبر من الخطوات المهمة التي لاقت الاهتمام في الميزانية العسكرية لعام 2022.
الأبعاد والمميزات
تخصيص ميزانية أكبر لصنع الأسلحة المتطورة، وإخراج أسلحة قديمة من الخدمة مثل 4 سفن قتالية من طراز ليتورال وعدد من طائرات A10 وطائرات KC-10 و KC-13، وكذلك تركيز القوات البرية والبحرية والجوية للجيش الأمريكي بشكل جاد على الصواريخ ماوراء الصوتية تعتبر من الأبعاد المهمة للميزانية العسكرية الأمريكية لعام 2022. تتزود الصواريخ ماوراء الصوتية برؤوس قادرة على التوجه نحو الأهداف وتدميرها بسرعة تفوق سرعة الصوت بعدة مرات وهذا ما تفتقر إليه صواريخ كروز والباليستية حتى الآن.
ومن الأبعاد المهمة الأخرى للميزانية العسكرية لعام 2022، هو نقل القوات الأمريكية من البر إلى البحر. بهذا الصدد، قال هيو هوارد أحد القادة الرفيعين للقوات البحرية الأمريكية، إن “الكثير من القوات الأمريكية كانت تحارب خلال العقدين الماضيين في صحاري العراق وجبال أفغانستان. هذا الأمر يجب أن يتغير وأن تعود القوات الأمريكية إلى البحر”. كما أن إنشاء “قوات الفضاء” يعتبر جانباً مهماً للغاية في الميزانية العسكرية للعام المقبل.
ومن النقاط اللافتة الأخرى في مشروع ميزانية عام 2022 هو برنامج تدريب وتجهيز في العراق وسوريا كجزء من خطط مواجهة داعش، حيث طلبت إدارة بايدن من الكونغرس 345 مليون دولار، من إجمالي 522 مليون دولار، للقوات الأمنية العراقية و 177 مليون دولار “للمجموعات والأشخاص الذين تم تحديدهم” في سوريا كجماعة بي كا كا/ واي بي جي الإرهابية، ما يدل على أن إدارة بايدن لا تزال تنوي دعم الإرهاب من خلال ميزانية العام 2022. فضلاً عن ذلك طلبت الإدارة الأمريكية ميزانية بمبلغ 370 مليون دولار تحت عنوان حماية أمن الحدود السورية ودول الجوار ستخصص 150 مليون دولار منها للأردن و 220 مليون دولار لباقي الدول.
أهداف الميزانية العسكرية
تعد مواجهة الصين وإلى جانبها روسيا من الأهداف المهمة للميزانية العسكرية الأمريكية لعام 2022. وفي هذه الميزانية، تم تحديد وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) كأحد الأركان الرئيسية لمنافسة الصين حيث ستضع ضمن جدول أعمالها إصلاح البنى التحتية وتعزيز الجوانب التدريبية وتطوير وتحديث المعدات العسكرية وكذلك إضافة ركن جديد إلى القوات العسكرية الأمريكية وهو “قوات الفضاء” . وقد ورد في الطلب المقدم إلى الكونغرس أن “الصين تطور قدراتها الإستراتيجية والتقليدية بخطى متسارعة وهذه الاستثمارات الصينية ستودي إلى إضعاف قدرات الولايات المتحدة في المنطقة”. كما ورد وصف “التهديد الصيني” في مشروع الميزانية المقدم للكونغرس بالتحدي الأول لوزارة الدفاع الأمريكية.
وبالنظر إلى أهمية التهديد الصيني في الميزانية العسكرية لعام 2022 طلبت إدارة بايدن في مشروع الميزانية المقدم للكونغرس 5.1 مليار دولار لمواجهة واحتواء الصين في إطار ما يسمى بـ “مبادرة الردع في المحيط الهادئ”. كتبت صحيفة نيويورك تايمز في تقرير عن أهداف الميزانية العسكرية لعام 2022 ضد الصين أن هذه الميزانية تكشف عن تحول في أدارة جو بايدن من التركيز على مكافحة جماعات تسمى بالمارقة إلى التوجه نحو تخصيص الموارد للاستعداد من أجل خوض الحروب التقليدية ضد دول تمتلك سفن وطائرات متطورة والتي تأتي الصين في صدارتها. وفي هذا الإطار تنوي القوات الخاصة التابعة للبحرية الأمريكية تحويل تركيزها مما تسميه “مكافحة الإرهاب” باتجاه مواجهة تهديدات القوى العالمية كالصين وروسيا. حيث ترى إدارة بايدن أن إحیاء الهيمنة الأمريكية والحفاظ عليها يعتمدان على احتواء الصين قبل وفوق كل شيء.
الآثار والتداعيات
من الواضح أن “مواجهة الصين” هي الغاية الرئيسية للميزانية العسكرية الأمريكية الهائلة لعام 2022 وقد تضمنت هذه الميزانية خططاً إستراتيجية واسعة بهذا الصدد. وقد تترتب على هذا الأمر تداعيات داخلية وخارجية مهمة بالنسبة لأمريكا. يعتبر “زيادة التنافس مع الصين” خاصة في المحيط الهادئ و”النزاعات البحرية” في هذا السياق، أهم التداعيات الخارجية. ويجب التنويه بأنه بعد وصول بايدن للسلطة في أمريكا وخلال الشهور الستة الأخيرة شهدت عمليات السفن الحربية الأمريكية في البحار المحيطة بالصين زيادة بنسبة 20 في المئة وعمليات طائرات الاستطلاع والتجسس زيادة بنسبة 40 في المئة مقارنة بالعام الماضي. وقد تم تضمين ميزانية العام 2022 إستراتيجيات مهمة بغية استمرار وتعزيز هذه الوتيرة من الناحيتين الكمية والنوعية. ولن تتجاهل الصين هذا الواقع. ولا شك أن الرد الصيني سيكون له تداعيات داخلية مهمة على الولايات المتحدة خاصة وأن ظروف الاقتصاد والمعيشة في أمريكا لم تكن جيدة خلال السنوات الأخيرة لأسباب مختلفة منها تفشي وباء كورونا، حيث صرح السيناتور الأمريكي بيرني ساندرز أن مأمول الحياة في أمريكا يشهد انخفاضاً مطرداً بينما يرتفع عدد الجائعين والفقراء يومياً. لذلك يرى المعارضون الداخليون أن ميزانية بقيمة 753 مليار دولار تمثل مبلغاً هائلاً للبنتاغون. إن ساندرز، رئيس لجنة الميزانية بالكونغرس وأحد زعماء الحزب الديمقراطي، يأتي في صدارة المعارضين لهذه الميزانية ويعتقد أنه “في وقت تزيد الميزانية العسكرية الأمريكية عن الميزانيات العسكرية لـ 12 دولة تأتي في المراكز التالية، فقد آن الأوان لنلقي نظرة دقيقة على الإنفاقات العسكرية الهائلة والاحتيالات المالية التي ترتكب اليوم في وزارة الدفاع الأمريكية”.
الكلمة الأخيرة
منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية إلى اليوم، كان ولا يزال تعزيز القدرات العسكرية من خلال تخصيص ميزانيات هائلة للقطاعات الدفاعية – العسكرية إحدى الأدوات المهمة التي استخدمتها أمريكا لتقوية هيمنتها وزيادة نفوذها في الساحة الدولية. لأن العسكرة الأمريكية ذات طابع اقتصادي وتمارس بغرض تحقيق هيمنة اقتصادية لا تستفيد منها شرائح مهمة من المجتمع الأمريكي. ويجب تقييم الميزانية العسكرية لعام 2022 – كسابقاتها – في نفس الإطار. من الواضح أن زيادة الميزانية العسكرية تسترضي وتطمئن الشركات المصنعة للأسلحة؛ الشركات والجماعات التي تتمتع بنفوذ مستغرب في المجالات السياسية والأمنية والعسكرية الأمريكية وتسعى دائماً إلى تمهيد الطريق أمام نشوب مزيد من الحرب والأزمات الإقليمية والدولية من خلال زيادة الميزانيات العسكرية ما يؤدي إلى مزيد من الازدهار في أسواقها.
0 تعليق