المجلس الإستراتيجي أونلاين – حوار: قال قائد القوة البحرية لجيش الجمهورية الإسلامية الإيرانية إن تواجد القطع البحرية الإيرانية في المحيط الأطلسي يعتبر أكبر عملية ملاحة بحرية في تاريخ إيران، مضيفاً: "أعتقد أن مركز ثقل القوة البحرية العالمية هو في طور الانزلاق نحو القوى الإقليمية وما نشهده اليوم هو امتداد للنهضة الحضارية الإسلامية الإيرانية في البحار ولا شك في أنه يوفر فرصاً كبيرة لبلدنا".
في حوار مع موقع المجلس الإستراتيجي للعلاقات الخارجية، وصف العميد البحري حسين خانزادي تاريخ الملاحة البحرية الإيرانية وتواجدها في البحار بأنه قديم، مضيفاً: “كانت إيران دولة ذات قدرات ملاحية قبل أن تؤسس كثير من الدول التي تعرف اليوم كقدرات بحرية، مثل أمريكا. عندما كنا نبحر في المياه، لم تكن تلك الدول موجودة بعد”.
وأضاف أن الوثائق الموجودة تثبت أن الإيرانيين كانوا يمارسون الملاحة في المياه قبل ميلاد المسيح بـمئة عام، مذكراً بأن “قناة السويس حفرت لأول مرة على يد الإيرانيين؛ إذن لدينا تاريخ ثري في الملاحة البحرية. لكن لأسباب مختلفة كضعف سلاطين الماضي ابتعدنا عن المياه قليلاً واشتد ذلك التباعد نتيجة مؤامرات المستعمرين البريطانيين الذين لم يكونوا يرغبون في ظهور إيران كقوة بحرية”.
وأَضاف قائد القوة البحرية في الجيش قائلاً: “بعد الثورة الإسلامية وفيما يمكن اعتباره الخطوة الأولى، بدأت الثورة سلوك طريق بناءها الذاتي وتعزيز قدراتها. فقد وظفت تراكماً من الطاقات والعلوم والتقنيات لنصل إلى ما نحن عليه اليوم. أما في الخطوة الثانية للثورة الإسلامية، التي وصفها قائد الثورة الإسلامية المعظم بخطوة البناء الحضاري، نفكر في بناء الحضارة الإسلامية الحديثة. وفي هذا الإطار تأتي الحضارة البحرية التي تعد ركيزة للهوية الحضارية لكل دولة متشاطئة”.
فرصنا و تهديداتنا هي في البحر
وأشار العميد البحري خانزادي إلى أن معظم تجارتنا تعتمد على الملاحة البحرية وأن إيران تمتلك حدوداً بحرية مع 80 بالمئة من جيرانها التي يصل عددها إلى 15 دولة، مؤكداً: “فرصنا هي في البحر كما أن غالبية التهديدات التي تحدق ببلدنا هي في البحر؛ إذن وبالنظر لمصالحنا في البحر يجب أن يمتد حضورنا – الذي يضمن الأمن – إلى المدى الذي تتطلبه مصالحنا”.
حضور ضامن للأمن خدمة للمصالح الوطنية
وإذ أشار إلى مختلف التوجهات في ما يتعلق بحضور دولة متشاطئة في أعالي البحار وبعيداً عن شواطئها، قال: “هناك توجه استكباري تتبناه اليوم أمريكا وحلفائها لفرض الهيمنة على المناطق البعيدة عن شواطئها؛ حيث تريد تغيير الترتيبات الأمنية الإقليمية من خلال ممارسة القوة”.
وأكد قائد القوة البحرية للجيش على أن حضورنا في البحار هو لخدمة مصالحنا الوطنية والدفاع عن أمن بلادنا، مضيفاً: “العصر الراهن هو “عصر الاقتصاد الأزرق” و الاقتصاد القائم على استغلال المياه العميقة والمحيطات. فتجارتنا البحرية مع مختلف المناطق في العالم تتم من خلال مياه المحيطات. في السابق كان أسطولنا يتواجد فقط في منطقة الخليج الفارسي البالغة مساحته 306 ألف كيلومتر مربع، أما اليوم وبفضل الثورة الإسلامية والفرصة التي منحها قائد الثورة المعظم للقوات البحرية للامتداد نحو الشرق والوصول إلى المحيطات، فقد امتد حضورنا البحري حتى مياه البحر الأحمر، حيث نقوم بمرافقة السفن التجارية وناقلات النفط الإيرانية إلى مدخل قناة السويس كما ننقلها من نفس المنطقة إلى البحار الآمنة والمحيط الهندي والمناطق القريبة من شواطئنا.
مرافقة ما يقارب 47 سفينة وناقلة نفط في العام الماضي
وأوضح العميد البحري خانزادي أن القوة البحرية رافقت خلال العام الماضي ما يقارب 47 سفينة وناقلة نفط، قائلاً: “إذا افترضنا كل ناقلة محملة بـ 37 ألف طن، فقد نفذنا عملية المرافقة لـ 10 ملايين برميل نفط وإذا افترضنا كل ناقلة محملة بـ 100 ألف طن، فقد تمت مرافقة 30 مليون برميل نفط وتم إيصالها لوجهاته بأمان. وهذا هو ثمار الحضور القوي لأسطول القوة البحرية للجيش في البحار، ما يصب في صالح الثورة وأنجز بفضل الفرص التي وفرتها الثورة.
دلالات حضور القطع البحرية الإيرانية في المحيط الأطلسي
وإذ أشار إلى دلالات حضور المدمرات الإيرانية في المحيط الأطلسي، صرح بأنه “فرضوا علينا العقوبات وتحدثوا عن الضغوط القصوى لكن وبالرغم من تلك الضغوط صنعنا مدمرات وسفن حربية إيرانية، كمدمرة “دنا” التي تم إزاحة الستار عنها خلال الأيام الماضية. أما مدمرة “سهند” التي دخلت الآن للمحيط الأطلسي التحقت بأسطول القوة البحرية في عام 2018. منذ دخولها الخدمة ولحد اليوم كانت في حالة الإبحار لنصف تلك المدة أي لـ 400 يوم.
وأضاف خانزادي: “هذه الإنجازات تبرهن على قدرات إيران التي لم تتأثر بالعقوبات. اليوم أصبحت بلادنا مكتفية ذاتياً في المجال الدفاعي. وهذا مكسب ثمين نرى ثماره في المحيط الأطلسي”.
واعتبر قائد القوة البحرية للجيش أن مواقف بعض الدول الغربية تجاه دخول المدمرة الإيرانية المحيط الأطلسي نابعة من ارتباكها وقلقها، قائلاً: “لا توجد أي دولة في منطقة المحيط الأطلسي والبحر الكاريبي تتمتع بقدرة الملاحة في المحيطات ما يمنح تفوقاً لأمريكا كقوة تفرض هيمنتها على دول تلك المنطقة. وكذلك الحال بالنسبة لدول أمريكا الجنوبية وأفريقيا. في ظل هذه الظروف، عندما دخل أسطول قوة بحرية بعلم إيران الإسلامية مياه المحيط الأطلسي، رأى الأمريكيون أنه بعد 500 عام رفعت قوة من الشرق علم الجمهورية الإسلامية الإيرانية بالقرب من حدودهم”.
بوابات المحيط الأطلسي قد فتحت أمامنا
وأردف قائلاً: “هذا الواقع يثير قلقهم لأنه يمثل انطلاقة حركة كبيرة لحضور مستدام في المحيط الأطلسي. اليوم فقد فتحت بوابات المحيط الأطلسي أمامنا وطريقه أصبح معروفاً لدينا. فليعرف الاستكبار أنه لو استعرض قواه بجوار حدودنا، فقد أصبحت اليوم القوة البحرية الإيرانية قادرة على الرد بالمثل”.
وأكد خانزادي على أن هذا الحضور سيتكرر في المستقبل بقوة أكبر وإن شاء الله سنرسل الغواصات لتلك المنطقة.
ورأى قائد القوة البحرية للجيش أن الدلالة الثالثة لهذه الخطوة هي أنها مصدر إلهام للدول الحرة في العالم، مضيفاً: “قامت إيران بثورة وهي تقف على أقدامها منذ 40 عاماً وفي ذلك إلهام للشعوب الحرة الرازحة تحت نير الاستكبار ، حيث أبصارها شاخصة إلى دولة تحررت من نير الاستكبار ووقفت على أقدامها ويقوم شبابها اليوم بالملاحة في المحيط الأطلسي باقتدار”.
وأضاف: “هؤلاء اليوم على بعد 8600 ميلاً عن الحدود الإيرانية، دون الرسو في أي ميناء. يتواجدون في البحار وهم في ذروة الاكتفاء الذاتي ويستطيعون تجاوز المياه الهائجة بالاعتماد على المعدات الكاملة التي يمتلكونها. لم يكن الاستكبار يتوقع هذا الحضور القوي، مما سبب خوفاً و هلعاً لديهم”.
وإذ أشار قائد القوة البحرية للجيش إلى تبني الاستكبار إستراتيجيتين في منطقتنا، قال: “هو يثير القلق لدى الدول الصغيرة في المنطقة من خلال أمننة الوضع والتحدث عن قدرات إيران من جهة، ويمنح شرعية دولية للحكومات المفتقرة للشرعية الوطنية من خلال تبرير وقوفه إلى جانبها من جهة أخرى. وهذه إستراتيجية القوة المكملة. مثلما قال ترامب لهم لو انسحبنا من المنطقة لأصبحتم تتحدثون الفارسية خلال أسبوع! مع الأسف سقطت الدول الصغيرة في المنطقة في فخ هاتين الإستراتيجيتين”.
وأكد أن الخطوة المهمة التي يجب على إيران القيام بها وقد أدرجتها فعلاً في جدول أعمالها هو السعي إلىى خلق تقارب إقليمي بالرغم من الانقسامات التي فرضت على المنطقة نتيجة الترتيبات الأمنية التي وضعها أمريكا وأدواتها. لا شك في أن فرص ذلك متاحة. وإذا وقفت دول المنطقة إلى جانب بعضها فيمكنها أن تنتج للمنطقة القوة والمكانة من خلال توظيف طاقاتها الكبيرة في مجال الممرات والنفط والطاقة والبحار والمضائق الإستراتيجية التي توجد فيها”.
واستطرد قائلاً: “الخطوة التي قمنا بها دفعت أمريكا مرتبكة إلى بذل جهود كبيرة من خلال ممارسة الضغوط على دول البحر الكاريبي لإبعاد أسطول البحرية الإيرانية عن شواطئها”.
السياسة الدفاعية الإيرانية تقوم على الردع
وأوضح خانزادي أننا اليوم لا نجد قوة بحرية ملحوظة في منطقة الخليج الفارسي، قائلاً: “طبيعة دول المنطقة والجزيرة العربية هي برية. وحتى في تاريخ الإسلام، عندما كان المسلمون يريدون الزحف نحو أوروبا، لم يسلكوا طريق البحر بل توجهوا نحو مضيق جبل طارق ليكون أمامهم أقصر طريق بحري. ليسوا بحارة ولا توجد قوة في البحر. في ظل هذه الظروف، تقف إيران لوحدها بوجه كافة التهديدات. مع أننا نعتقد بالتعاون الجماعي لتحقيق الأمن البحري، والذي يتطلب تقارباً إقليمياً”.
وإذ أكد قائد القوة البحرية للجيش على أن السياسة الدفاعية الإيرانية قائمة على الردع، ذكر بأنه “إذا أراد أحد أن يشن هجوماً علينا فعليه أن يعي جيداً أنه في مواجهة هذه القوة، سيخسر أكثر بكثير مما سيربحه. وأساس سياسة الردع هذه هو الحضور القوي في البحر. وبالتزامن مع تواجد مجموعة بحرية إيرانية في المحيط الأطلسي، فإحدى مجموعاتنا البحرية الأخرى متواجدة في البحر الأحمر والثالثة في طور الاستعداد للانطلاق. وهذا يدل على الجاهزية التامة للقوة البحرية للجمهورية الإسلامية الإيرانية”.
أهداف الغرب من خلال الحرب الإعلامية ضد القطع البحرية الإيرانية
وإذ أوضح خانزادي أن عقيدتنا تقوم على مواجهة التهديد وإرساء الأمن والحيلولة دون تشكل بؤر انعدام الأمن في البحار، قال في ما يتعلق بمحاولات إثارة الأجواء ضد إيران في المياه الدولية إن “حركة القطع البحرية هذه مدروسة ومخطط لها والخطة هي بيدنا والطرف الآخر لا يعرف عنها شيئاً. وعدم المعرفة هذا قد خلق لهم حالة ارتباك وقلق. ولذلك بدأوا حرباً إعلامية ليكتشفوا من خلالها موقف الجمهورية الإسلامية الإيرانية وليطلعوا على الخطوة التالية”.
وأضاف: “لا حيلة أخرى بيدهم سوى التصريح بأنهم يراقبون حركتنا. نحن كذلك نقوم بعملية رقابة ورصد قوية. نرصد من على متن سفننا الطائرات التي تحلق في الارتفاعات العالية حتى ما فوق 30 ألف قدم، رصداً لحظة بلحظة، ونعرف إحداثياتها ونعرف المطارات التي تقلع الطائرات منها في أمريكا ونعرف أنها تهبط على أي سفينة. من على متن سفننا، نرصد أي طائرة تحلق في أي بقعة من العالم. وتمتع شبكتنا المعلوماتية المرتبطة بهذه المجموعة البحرية بقوة فائقة تقطع السبيل على أي تهديد. نعمل بقوة لأن هذه المجموعة البحرية تعتمد على القوة الوطنية لإيران الإسلامية”.
اهتمام إيران بالتعاون الإستراتيجي الإقليمي والدولي
واعتبر قائد القوة البحرية للجيش التعاون والتحالفات الإستراتيجية مع دول المنطقة أو القوى الدولية في مجال الملاحة في المحيطات موضوعاً آخر ذا اهتمام لدى إيران، قائلاً: “هذه المجموعة البحرية قادرة على أن تدور حول الكرة الأرضية عدة مرات دون الحاجة للرسو في مكان ما للتزود بالوقود”.
وأكد خانزادي: “قد يثير الأمريكيون ضجة لكنها لن تترك أدنى تأثير على إرادة أبناء الوطن الموجودين على متن المدمرة وآخرين يقودون القوة البحرية ويضعون الخطط والسياسات في الجيش”.
أكبر عملية ملاحة بحرية في تاريخ إيران
وأوضح قائد القوة البحرية للجيش بأن هذا هو أول حضور بحري إيراني في المحيط الأطلسي على مر تاريخها الحضاري، مضيفاً: “إحدى القضايا التي تثير القلق لدى أمريكا هي قدرات إيران سواء في الناحية الفنية أو في ناحية الإرادة والثقة بالنفس. هذه قيم نشأت بفضل الثورة، فاستطاع شباب من جيل الثورة توجيه أسطوله إلى المياه التي لم يكن يدخلها حتى الآن. هذه ليست ملاحة بحرية بسيطة وتتعرض لتهديدات عسكرية وفنية. وهذا هو أكثر ما يثير القلق لدى الأمريكيين”.
وفي الختام، إذ اعتبر ذلك أكبر عملية ملاحة بحرية إيرانية، قال: “أعتقد أن مركز ثقل القوة البحرية العالمية هو في طور الانزلاق نحو القوى الإقليمية وما نشهده اليوم هو امتداد للنهضة الحضارية الإسلامية الإيرانية في البحار ولا شك في أنه يوفر فرصاً كبيرة للجمهورية الإسلامية الإيرانية و تسلب الاستكبار الفرص غير المشروعة التي يستغلها اليوم”.
0 تعليق