المجلس الاستراتيجي، آنلاين، تقرير: تعتبر الهجمات الأخيرة للطائرات الصهيونية على مناطق في شمال غرب سوريا بمثابة جرس إنذار جاء لبدء مرحلة جديدة من الاختلافات بين الكيان الصهيوني وروسيا في سوريا. فلو أن العلاقات بين روسيا والكيان الصهيوني في سوريا كانت إلى وقت قريب طبقاً للتنسيق المسبق بينهما على الصعيد الأمني والمعلوماتي وفي إطار الملاحظات التي لدى موسكو بهذا الشأن، إلا أن الهجوم الأخير لهذا الكيان ضد مناطق في شمال غرب سوريا التي تمثل مراكز لتجمع واستقرار القوات الروسية أخلّ بهذا التنسيق المسبق بينهما.
حميد خوش آيند – الخبير المختص بالشؤون الدولية
فيما يخص الهجمات الأخيرة للطائرات الصهيونية ضد مناطق في اللاذقية وطرطوس هناك عدة نقاط مهمة نشير إلى ثلاث منها كالآتي:
النقطة الأولى: تعتبر هذه المرة الأولى التي تستهدف فيها الطائرات الصهيونية منذ العام 2018 هذه المناطق الواقعة في محافظتي اللاذقية وطرطوس بشمال غرب سوريا حيث تستقر هناك قواعد إطلاق الصواريخ اس 300، أي منذ حادثة إسقاط الطائرة الروسية في العام 2018 إثر القصف الجوي الاسرائيلي لمناطق اللاذقية، وطبقاً للبيان الذي أصدرته وزارة الدفاع الروسية آنذاك فإن أربع مقاتلات اسرائيلية تخفّت خلف طائرة الاستطلاع الروسية «L20» واتخذت منها درعاً جوياً لقصف مناطق هناك مما أدى إلى إسقاطها بصواريخ سوريا وقتل 14 عسكرياً روسياً كانوا على متن تلك الطائرة.
النقطة الثانية: كما أشرنا آنفاً فإن اللاذقية وطرطوس تعتبران منطقة نفوذ روسية استراتيجية ومهمة في سوريا، لذلك فإن الحكومة الروسية تشعر دوماً بحساسية استثنائية حيال تحولات تلك المنطقة، حيث أن ميناء طرطوس تحول منذ عهد الاتحاد السوفيتي السابق إلى قاعدة مهمة للسفن السوفياتية وبعدها الروسية في البحر الأبيض المتوسط، فالقوات البحرية الروسية استأجرت قاعدة بحرية في شرق هذا البحر وفي ميناء طرطوس بالذات حتى العام 2042 ولو فقدت روسيا هذه القاعدة فإن البحر المتوسط سيتحول إلى بحر تسيطر عليه قوات حلف الأطلسي الشمالي (الناتو)، ومن ناحية أخرى فإن ميناء طرطوس يستضيف منذ سنوات عديدة أسطول القوة البحرية الروسية المتشكل من آلاف العسكريين الروس الذين يستقرون هناك، لذا فإن المحافظة على أرواح هؤلاء المواطنين الروس يرتبط بالسمعة الدولية الروسية هناك، وبالإضافة إلى ذلك فإن اللاذقية تعتبر بدورها ذات أهمية خاصة لروسيا لأن هذه المحافظة تستضيف أيضاً “قاعدة حميم الجوية” التي تعتبر إحدى القواعد الجوية الروسية المهمة في المنطقة وتقع جنوب شرق اللاذقية والتي أنشأت في العام 2015 كمركز استراتيجي مهم للعمليات العسكرية الروسية ضد داعش بالقرب من مطار باسل الأسد الدولي.
لذلك فإن ميناء طرطوس وكذلك اللاذقية تتميزان بأهمية استراتيجية لموسكو في سوريا وتلعبان دوراً هاماً في التواجد الروسي الاستراتيجي هناك حيث سعى الروس خلال سنوات الأزمة السورية منذ العام 2011 وحتى الآن إلى حفظ هذه المنطقة الاستراتيجية بعيداً عن خطوط النزاع والصراع بأي شكل من الأشكال ومنها استقرار القوات الروسية وتأسيس قاعدة عسكرية روسية هناك.
النقطة الثالثة: تأتي الهجمات الصاروخية والجوية الاسرائيلية ضد المراكز الحساسة في اللاذقية في وقت ذكرت الأخبار المنتشرة أن روسيا تخطط للمحافظة على الحكومة والجيش والمراكز العسكرية السورية في مقابل الهجمات الاسرائيلية، وهذا يعني أن موسكو تعهدت بشكل جاد وميداني بالمحافظة على المراكز والمناطق التابعة للحكومة والجيش السوري سواء كانت في البر والبحر وصيانتها أمام الهجمات الجوية والصاروخية للجيش الاسرائيلي، بل إن المسؤولين الروس كانوا قد استنكروا بشكل علني خلال الأشهر الأخيرة مراراً الهجمات الاسرائيلية ضد الأراضي السورية ووصفوها بأنها عمليات تخريبية غير مقبولة وأعلنوا ذلك بشكل صريح للمسؤولين الاسرائيليين المعنيين خلال لقائهم معهم.
وكمثال على ذلك، أعلن الممثل الخاص للرئيس الروسي في الشؤون السورية ألكساندر لافرنتيف في رد فعله على الهجمات التي شنتها اسرائيل ضد مختلف المناطق السورية بصراحة شديدة “إن هذه الهجمات يجب أن تقطع لأنها مخربة ونأمل أن يدرك الجانب الاسرائيلي قلقنا بهذا الشأن بالأخص القلق فيما يخص تشديد سوء الأوضاع في سوريا، لأن صبرنا سينفد عاجلاً أم آجلاً، أو أن تؤدي إلى هجمات مضادة وانتقامية مما يؤدي إلى سوء الأوضاع أكثر في سوريا. ولكن لا أحد يريد ذلك، لذلك خلال اتصالاتنا مع نظرائنا الاسرائيليين أكدنا مراراً على رفضنا للعمليات العسكرية الهجومية التي تشنها اسرائيل على أراضي دولة سوريا المستقلة.”
والملفت للنظر هنا هو أنه بعد عدة أيام فقط من تصريحات لافرنتيف نجح الجيش الروسي في شباط 2021 في التصدي لعدد من الهجمات الجوية والصاروخية الاسرائيلية ضد الأراضي السورية من خلال الاستفادة من منظومة الدفاع الجوي «بانتسبر – اس و بوك م 2» وهذا الأمر لا يحمل رسائل جيدة لاسرائيل التي تسعى لتدمير المنظومات الدفاعية السورية بأي شكل من الأشكال حتى تلك التي تتميز برعاية روسية خاصة.
بالطبع هناك عوامل مهمة عديدة لعبت دوراً مؤثراً في تغيير الموقف الروسي في سوريا بشكل تدريجي وبالتالي جعلت موسكو تتخذ مواقف متشددة حيال تل أبيب مما يفتح آفاق واضحة لمستقبل الأزمة السورية بالإضافة إلى المواقف الجديدة التي انتهجتها إدارة بايدن فيما يخص سوريا ومنها مهاجمة المجموعات الداعمة لمحور المقاومة في شرق دير الزور فضلاً عن تضعيف الموقف الميداني والسياسي لاسرائيل في المنطقة. لذلك فإن ما قامت به اسرائيل من مهاجمة المواقع الروسية في سوريا رغم التحذيرات الروسية التي ترافقت مع تغيير الموقع الميداني والسياسي الاسرائيلي قد يؤدي خلال الأشهر القادمة إلى تضييق الخناق أكثر على اسرائيل في سوريا.
وهكذا وكما أشرنا إليه فإن اسرائيل لم تكتف بقصف مواقع ومراكز الجيش السوري وجبهة المقاومة في سوريا بل اجتازت الخطوط الحمراء الروسية بعد حادثة إسقاط طائرة الاستطلاع الروسية في العام 2018، حيث أن الهجمات الاسرائيلية الأخيرة لا يمكنها أن تنبئ عن آفاق مناسبة للاسرائيليين في سوريا والمنطقة على حد سواء.
إن العمليات التي نفذها الجيش الاسرائيلي ضد بعض المراكز والمواقع التي تتمركز فيها القوات الروسية وتقع ضمن الحصانة الأمنية الروسية وتُحسب ضمن إطار الأمن القومي الروسي ستؤدي إلى المساس بمكانة روسيا وشخصيتها الاقليمية والدولية وتوثر سلبياً عليها إن لم تواجه برد حاسم وقاطع من قبل موسكو، لأن روسيا تعتبر دولة مقتدرة على الصعيدين الاقليمي والدولي ينظر إليها الرأي العام نظرة تقدير واحترام في عموم المنطقة وهي تتعامل بحساسية شديدة حيال أي هجوم أجنبي تتعرض لها مصالحها القومية في المنطقة أو أي مكان في العالم. إذن، فإن اسرائيل تواجه تهديدات ميدانية وسياسية صعبة على الصعيد الداخلي وكذلك تواجه تحديات وتهديدات جادة على صعيد السياسة الخارجية كما أن العديد من المراكز الحساسة والاستراتيجية الاسرائيلية تعرضت مؤخراً لحوادث أمنية متعددة، كما أن هذا الكيان يواجه في الداخل مشاكل جادة على الصعيد الاجتماعي والنسيج الداخلي، وفي مثل هذه الظروف فإنهم ينفذون عمليات جنونية ضد المراكز الأمنية والعسكرية الروسية والسورية مما يؤكد أن آفاقاً غير مناسبة تنتظر هذا الكيان في المستقبل بالأخص في سوريا لاسيما أنهم تجاوزوا الخطوط الحمراء التي رسمت لهم في ظل علاقاتهم التنسيقية مع روسيا.
0 تعليق