المجلس الاستراتيجي أونلاين ـ حوار: قال خبير في الشؤون الجيوسياسية إن الانخفاض غير المسبوق في منسوب مياه بحر قزوين لا يشكل تهديداً بيئياً فحسب، بل يعد أيضاً جرس إنذار جيوسياسي لإيران والدول الساحلية الأخرى، الأمر الذي يتطلب تعاوناً متعدد الأطراف وبشكل عاجل.
تأثير انخفاض منسوب مياه بحر قزوين على الحدود البحرية والأمن الوطني
في حواره مع الموقع الالكتروني للمجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية، أشار الدكتور سامان قاسمي إلى المسار المقلق لانخفاض منسوب مياه بحر قزوين، وقال: “وفقاً للبيانات الفضائية، انخفض منسوب مياه بحر قزوين خلال العقود الثلاثة الماضية بأكثر من متر ونصف، واستمرار هذا المسار قد يؤدي إلى تغيّرات جوهرية في الحدود البحرية للدول”. وأضاف: “إن انخفاض منسوب المياه، إضافة إلى آثاره البيئية، يحمل تداعيات جيوسياسية واسعة؛ فحدود بحر قزوين مرسومة على أساس منسوب المياه، ومع تغيّر هذا المستوى، يزداد احتمال نشوب الخلافات بشأن الجزر والمنصات البحرية ومسارات الوصول”.
وأضاف هذا المحلل: “في العديد من الوثائق الحالية، يعتمد خط الأساس في تحديد الحدود على منسوب المياه المتوسط، وانخفاض هذا المستوى يغيّر الحسابات الحدودية. ولذلك يجب على الدول الساحلية التوصل إلى إطار ثابت لإدارة الآثار المناخية على الحدود قبل وصول الأزمة إلى نقطة توتر”. وبحسب قاسمي: “إلى جانب هذه التغيّرات، هناك تهديدات ثانوية تتشكل أيضاً، من بينها زيادة العواصف الترابية المالحة، تضرر التنوع البيولوجي، والهجرات المناخية. هذه الظواهر تهدد الأمن الوطني وقد تؤدي إلى منافسة على الموارد والمياه المتبقية”.
التعاون الثنائي والمتعدد الأطراف في إدارة الأزمات البيئية
وشدد الخبير الجيوسياسي على ضرورة التعاون الإقليمي، وقال: “بحر قزوين نظام معقد من المصالح المشتركة، ولا تستطيع أي دولة إدارته بمفردها، ولذلك هناك حاجة إلى آليات متعددة الأطراف تعمل فيها إيران وروسيا وأذربيجان وتركمانستان وكازاخستان بشكل منسق للتصدي للتلوث البيئي، وإحياء المخزونات السمكية، والرصد المناخي”.
وأشار قاسمي إلى أن “إيران يمكن أن تلعب دوراً ريادياً في المحور الجنوبي لبحر قزوين. إن تجربة التعاون بين طهران وموسكو في مجال الرصد المناخي واستخدام تقنيات الاستشعار عن بعد تشكل نموذجاً لبقية الدول. كما أن تشكيل فرق عمل متخصصة في مجالات البيئة والثروة السمكية وإدارة المياه الجوفية يعزز بناء الثقة ويزيد من التنسيق”. وحذر قائلاً: “إذا لم تتماشى مساعي حماية البيئة مع الأهداف الجيوسياسية، فقد تتجه الدول مستقبلًا نحو المنافسة والقيود المتبادلة. لذلك يجب أن تُدرج الاتفاقيات البيئية الخاصة ببحر قزوين ضمن العقيدة الأمنية للدول الساحلية، لا كمجرد التزام رمزي”.
وبحسب هذا الخبير، “تمتلك إيران قدرات علمية وفنية عالية لطرح مشاريع مشتركة في مجالات إحياء الأهوار، تقليل التلوث النفطي، ومكافحة الانخساف الأرضي. كما أن المشاركة الفاعلة في المشاريع البيئية المشتركة، إلى جانب فوائدها البيئية، يمكن أن تكون أداة للدبلوماسية الناعمة لإيران في شمال البلاد”.
تطوير البنى التحتية للطاقة والنقل في الساحل الجنوبي لبحر قزوين
وشدد قاسمي على الرابط بين البيئة والاقتصاد البحري، قائلاً: “حماية بحر قزوين وتطوير البنى التحتية الساحلية هما وجهان لعملة واحدة. إن التنمية غير المستدامة في الساحل الجنوبي لبحر قزوين تهديد لأمن الطاقة، بينما يمكن للتنمية الذكية القائمة على التقييمات البيئية أن تعزز أمن الطاقة والمكانة الجيوسياسية لإيران”. وأضاف: “يجب أن تتطور مشاريع الموانئ مثل أميرآباد وآستارا وأنزلي بالتزامن مع أنظمة المراقبة المناخية والبنى التحتية المستدامة. كما أن التعاون مع دول المنطقة لتوحيد المعايير في مسارات النقل، واستخدام الوقود الأخضر، والحد من التلوث النفطي، أمر ضروري”.
واختتم قاسمي الحوار قائلاً: “إن بحر قزوين ليس مجرد مورد طبيعي، بل هو مساحة جيوإستراتيجية يمكنها أن يؤدي دور المضائق الحيوية مستقبلًا. إن تغيّر المناخ، والمنافسة على الطاقة، والمشاريع العابرة للحدود في آسيا الوسطى، وضعت بحر قزوين في نقطة التقاء بين البيئة والأمن والجيوسياسة. ولمنع المزيد من الضرر، يجب على إيران الإسراع في صياغة عقيدة شاملة للأمن البحري تقوم على الاستدامة المناخية”.
0 تعليق