المجلس الاستراتيجي أونلاين ـ حوار: قال محلّل في القضايا الجيوإستراتيجية: إنّ النظام الأوراسي الناشئ ليس مجرد مشروع اقتصادي، بل هو محاولة لإعادة تعريف النظام العالمي على أساس الاستقلال وتعدّد الأقطاب والاندماج الإقليمي.
قال حميدرضا واعظي في حوار مع الموقع الالكتروني للمجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية حول مكانة ودور إيران في النظام الأوراسي الناشئ: “إنّ النظام الجديد في منطقة أوراسيا هو نتيجة التحرك نحو إعادة تعريف علاقات القوة العالمية وانتقال مركز الثقل الجيوسياسي من الغرب إلى الشرق.” وأضاف: “إنّ إيران، بسبب موقعها الجغرافي الفريد، وصلاتها التاريخية ومواردها الواسعة من الطاقة، ليست فقط جزءاً من نطاق أوراسيا، بل تُعدّ أيضاً أحد المحاور التي تربط شرق وغرب هذه القارة. وفهم هذه المكانة هو الشرط المسبق للحضور الفعّال في الهندسة الجديدة للقوة.”
وأشار إلى محورية التعاون الإيراني مع روسيا والصين، قائلاً: “اليوم تلعب إيران دوراً في ثلاثة أطر اقتصادية وترانزيتية مهمة في أوراسيا: الاتحاد الاقتصادي الأوراسي (EAEU)، مبادرة الحزام والطريق (BRI)، والممر الدولي الشمال – الجنوب (INSTC). هذه الشبكات الثلاث هي العمود الفقري للنظام الاقتصادي الجديد في أوراسيا، ويمكن لإيران، من خلال سياسات ذكية في مجالات البنية التحتية والجمارك والقطاع المصرفي، أن تتحول إلى لاعب محوري”. وأضاف واعظي: “في النظام الجاري تشكّله، يمضي التعاون الجيوسياسي والجيواقتصادي بالتوازي، وهذا هو الجانب الذي ينبغي على الدبلوماسية الاقتصادية الإيرانية أن تأخذه على محمل الجد. فكلما تقدّم الارتباط الإيراني مع روسيا والصين من مستوى الطاقة وتجارة السلع إلى التعاون التكنولوجي والمالي، تعزّز موقع إيران في النظام الأوراسي.”
وبرأي هذا المحلّل، فإنّ روسيا والصين تسعيان إلى إنشاء “مظلّة اقتصادية لا تعتمد على الدولار”، ويمكن لإيران الاستفادة من هذا المسار للتخلّص من الضغوط الناجمة عن العقوبات والنظام المالي الغربي. وأكد: “من الضروري تنظيم علاقات متعددة الأبعاد مع بكين وموسكو؛ إذ يجب على طهران الحفاظ على استقلالية حركتها وتنظيم تعاملاتها على أساس المصالح المتبادلة وتوازن القوى.”
وتطرّق واعظي إلى الأهمية المتزايدة لمسارات الترانزيت في أوراسيا، فقال: “في عالم اليوم، مسار الترانزيت ليس مجرد طريق اقتصادي، بل أداة نفوذ جيوسياسي. فتركيا، من خلال تطوير مسارها الأوسط، والهند من خلال مشروع الاتصال بآسيا الوسطى عبر ميناء تشابهار، تسعيان إلى كسب حصة أكبر من هذه الشبكة؛ وهذه المنافسة ترتبط مباشرة بالموقع الجيوسياسي لإيران.” وأضاف: “في حين تؤكّد تركيا على مسار القوقاز والبحر الأسود، وتسعى الهند إلى الاتصال من الجنوب إلى الشمال، تستطيع إيران أن تقدّم مساراً مكمّلاً يربط الشرق بالغرب والشمال بالجنوب. هذا الموقع، إذا جرى استثماره بشكل صحيح، لن يكون فقط مصدراً دائماً للدخل، بل أداة للقوة الوطنية.”
وتابع المحلّل في الشأن الجيوإستراتيجي قائلاً: “إنّ تركيا تستفيد من عضويتها في الناتو وعلاقاتها مع الغرب لجذب الاستثمارات والتكنولوجيا؛ لكن اعتمادها الكبير على الطاقة والضغوط الإقليمية يفرض عليها قيوداً. وفي المقابل، إذا تمكنت إيران من إزالة العقبات الداخلية في مجالات الاستثمار الأجنبي واللوجستيات والرقمنة التجارية، فستتمكن من ترسيخ ميزتها التنافسية في محور الشمال-الجنوب، ما سيجعل تركيا والهند مضطرتين للتعاون مع طهران.” وأكّد واعظي: “في النظام الجديد، يعني “التحكم في المسار” التحكم في القوة، وكل دولة تمتلك خطوط الترانزيت وبُنى الطاقة التحتية ستؤدي دوراً حاسماً في قواعد اللعبة الأوراسية.”
وشدّد المحلّل على ضرورة مواءمة سياسة الجوار الإيرانية مع مبادرة “أوراسيا الكبرى” الروسية، موضحاً: “إنّ مفهوم الجوار الإيجابي هو سياسة لإدارة الخلافات وتعزيز التفاعلات الإقليمية في إطار المصالح المتبادلة. وعندما تتكامل هذه السياسة مع مشروع “أوراسيا الكبرى” الروسي، الهادف إلى خلق مجال اقتصادي وأمني وثقافي مشترك من شنغهاي إلى بحر قزوين، يمكن لإيران أن تتحول إلى رابط بين جنوب وشمال أوراسيا.”
وقال: “إذا طُبّقت سياسة الجوار الإيرانية بجدّية، فستكون أداة قوية لتثبيت مكانة البلاد في النظام الجديد. وفي ظل سعي روسيا والصين إلى تقليص نفوذ الغرب في المنطقة، تستطيع طهران، من خلال موقعها كجسر بين شرق وغرب آسيا، أن تستخدم هذا الدور لخدمة مصالحها الوطنية والمساهمة في الاستقرار الإقليمي.”
وفي الختام، شدّد واعظي على أنّ “النظام الأوراسي الناشئ ليس مجرد مشروع اقتصادي، بل محاولة لإعادة تعريف النظام العالمي على أساس الاستقلال وتعدّد الأقطاب والاندماج الإقليمي. وإذا استطاعت إيران في هذه المعادلة، إيجاد توازن بين سياسة الجوار، والتنمية الداخلية، والحضور الفاعل في المؤسسات الإقليمية، فستتحول إلى مهندس للنظام الجديد؛ أما في حال اتباع نهج سلبي، فستخسر فرصتها التاريخية.”
0 تعليق