جدیدترین مطالب
أحدث المقالات
المعادن النادرة؛ الأداة الاستراتيجية للصين في منافسة الغرب

الأداة المعدنية للصين؛ من الميزة الصناعية إلى الأداة الجيوسياسية
صرّح أميرحسين مرادي في حوار له مع الموقع الالكتروني للمجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية بأن “المنافسة بين الولايات المتحدة والصين على المعادن النادرة تجاوزت المستوى الاقتصادي، وأصبحت وسيلة لإعادة تعريف القوة في سلسلة الإمداد العالمية”.
وأضاف: “على مدى العقود الثلاثة الماضية، أنشأت الصين من خلال استثماراتٍ مستمرة سلسلةً كاملةً تمتد من الاستخراج إلى المعالجة والإنتاج في المراحل اللاحقة للمعادن النادرة، وهي تسيطر الآن على أكثر من 70% من عمليات الاستخراج ونحو 90% من عمليات المعالجة في العالم”.
وأشار مرادي إلى أن “هذا التركيز لم يكن صدفة، بل نتيجة قرارٍ واعٍ بدأ منذ تسعينيات القرن الماضي بدعمٍ من الحكومة المركزية”.
وأكد: “المعادن النادرة هي العمود الفقري لتقنيات هذا القرن؛ من محرّكات السيارات الكهربائية والتوربينات الهوائية إلى الهواتف الذكية وأنظمة التسليح. وفي ظل هذه الظروف، تمتلك الصين عملياً مفتاح الدخول إلى المستقبل الصناعي، وهو أمرٌ لا يمكن لواشنطن قبوله”.
وبحسب مرادي، فإن “إقدام بكين مؤخراً على تقييد تصدير بعض العناصر الأساسية يُعدّ استخداماً تدريجياً لهذه الورقة؛ وهو بمثابة تحذيرٍ موجّه إلى الولايات المتحدة قبيل الاجتماع المحتمل بين ترامب وشي جين بينغ”. وأضاف: “إذا فُرضت هذه القيود بالكامل، فستواجه سلسلة الإمداد العالمية اضطراباً يفوق أزمة الشرائح الإلكترونية”.
ردّ الفعل الأمريكي؛ من التخزين الطارئ إلى التعاون المعدني مع الحلفاء
وأوضح مرادي أن “الولايات المتحدة، في الولاية الرئاسية الثانية لترامب، سعت إلى تقليص اعتمادها على الصين من خلال استراتيجية ثلاثية الجوانب تشمل التخزين الطارئ، وتطوير المناجم المحلية، والتعاون مع الحلفاء الرئيسيين. بل إن فرض اتفاق على أوكرانيا للسيطرة على مناجمها كان جزءاً من هذه الاستراتيجية لموازنة نفوذ بكين”.
وأضاف: “من أبرز الأمثلة على هذه السياسة الاتفاق بين واشنطن وكانبرا في المشاريع التعدينية الأسترالية، حيث استثمر البلدان معاً 8.5 مليارات دولار لاستخراج ومعالجة عناصر نادرة مثل التربيوم والأربيوم والإيتريوم، لضمان أمن سلاسل الإمداد الخاصة بهما”.
وقال: “في الوقت نفسه، أصبحت الولايات المتحدة أكثر نشاطاً على المستويين الثنائي والمتعدد الأطراف، من التعاون مع أوكرانيا وكندا إلى التفاوض مع الجيش الباكستاني لاستغلال الموارد المعدنية في ذلك البلد”. وأضاف مرادي: “وعلى الرغم من أن هذه الخطوات تبدو متفرقة، فإنها تسعى إلى هدفٍ مشترك وهو إنشاء سلسلة إمداد موازية قادرة على مقاومة ضغوط بكين”.
وأردف: “مع ذلك، فإن الغرب متأخر عن الصين بما لا يقل عن عقدٍ من الزمن. فكسر احتكار بكين يتطلب وقتاً ورأس مال وخبرةً وإرادةً سياسيةً مستمرة، وهي عناصر لا تتوفر مجتمعة إلا لدى عددٍ قليلٍ من الدول”.
وأوضح مرادي: “في هذه المنافسة، تُعدّ القدرة على المعالجة أهم من القدرة على الاستخراج. فمع أن الولايات المتحدة وحلفاءها يمتلكون نحو 40% من الاحتياطات الجوفية، فإنهم لا يملكون سوى 15% من طاقة التكرير، وهو المجال الذي استثمرت فيه الصين بكثافة وعلى المدى الطويل”.
السيناريوهات المقبلة؛ من إعادة تعريف سلسلة الإمداد إلى استمرار المنافسة الاستراتيجية
وأضاف الخبير: “لا ينبغي تحليل آفاق المنافسة بين الصين والولايات المتحدة في مجال المعادن النادرة فقط من زاوية العرض والطلب، بل يجب النظر إليها كمعركةٍ للسيطرة على سلسلة القيمة في تكنولوجيات المستقبل”.
وقال: “إن سعي الولايات المتحدة إلى تقليص اعتمادها لا يعني بالضرورة خفض التوتر، بل على العكس، قد تمتد هذه المنافسة إلى مجالاتٍ جديدة مثل الطاقة النظيفة، والصناعات الدفاعية، وتقنيات الذكاء الاصطناعي، لتشكّل نوعاً جديداً من حروب السلاسل”.
وأوضح مرادي: “تسعى الصين من خلال سياساتها التصديرية وضبطها الفني إلى تثبيت وإعادة تعريف موقعها. والقيود الأخيرة جزء من استراتيجية الضغط المتبادل التي تتبعها بكين تجاه واشنطن، وهي رسالة واضحة مفادها أن الصين تملك اليد العليا”.
وأشار إلى أن “هذه التطورات تحمل أيضاً رسائل مهمة لإيران؛ فتنوع مواردها المعدنية وموقعها الجيواقتصادي على مسارات الممرات الإقليمية يمكن أن يتيح لها دوراً مهماً في سلسلة القيمة العالمية الجديدة، شرط أن تُعتمد استراتيجية شفافة ودولية لاستغلال ومعالجة المعادن”.
وأكد مرادي: “بإمكان إيران من خلال استقطاب التكنولوجيا والاستثمارات الموجّهة أن تتجاوز مرحلة تصدير المواد الخام، وأن تكون فاعلة في مراحل المعالجة والتكنولوجيا، وهو ما يعزز استقلالها الاقتصادي ويقوي موقعها الجيوسياسي في معادلات الطاقة والتكنولوجيا المستقبلية”.
وختم قائلاً: “في العقد القادم، ستكون المعركة على المعادن النادرة معركةً صامتة بين القوى الكبرى. ومن يمتلك سلسلة الاستخراج والمعالجة والتكنولوجيا، سيمتلك ليس فقط الاقتصاد بل نبض السياسة العالمية بأكملها”.
			
			
			
			
			
			
			
			
0 تعليق