المجلس الاستراتيجي أونلاين ـ رأي: تتوقع الصين أن تكتمل استراتيجية "صنع في الصين 2025" وتتحقق خلال هذا العام. ولكن على الجانب الآخر هناك الولايات المتحدة التي ترى أن هيمنتها المفترضة في خطر وتحاول الحفاظ على مكانتها. وفي هذا الوضع، وباعتبارها إحدى وسائل المواجهة، تصاعدت الحرب التجارية مرة أخرى، كما كانت الحال في تجربة الفترة 2016 حتى 2020، وفي الإجراء الأحدث، زادت الصين والولايات المتحدة الرسوم الجمركية على المنتجات الزراعية لبعضهما البعض؛ الصين بنسبة 15 في المائة والولايات المتحدة بنسبة 20 في المائة. هل سيؤدي هذا الصراع إلى اتفاق تجاري أم أن الحرب التجارية ستتصاعد؟
رضا مجيدزادة ـ باحث في مجال الاقتصاد
أظهر ترامب في تعامله مع الدول الأخرى، أنه لا يخاف من ممارسة لعبة الدجاجة (Chicken game) وأنه عازم على مواجهة الهيمنة الصينية المتوسعة. لكن الآن نشأت حالة من التحوط المتبادل بين الصين والولايات المتحدة.
وفي أعقاب هذه الرسوم الجمركية المتبادلة، أصبحت جميع الواردات الصينية إلى الولايات المتحدة خاضعة لرسوم جمركية بنسبة 10% في الرابع من فبراير/شباط، بالإضافة إلى الرسوم والضرائب التي كانت سارية بالفعل في ظل إدارة ترامب السابقة. لكن السؤال هو، هل يلعب ترامب هذه اللعبة بهدف جر الصين نحو اتفاق أم أنه يحاول فقط مواجهة نفوذ الصين؟ في لعبة الرسوم الجمركية مع البلدان الأخرى، تقوم الولايات المتحدة بإزالة الرسوم الجمركية في مقابل الحصول على تنازلات؛ مثل التجربة الأخيرة في لعبة الرسوم الجمركية مع رئيس الوزراء الكندي الجديد. ولكنه حافظ حتى على الرسوم التي تعهد بها أثناء ولايته الأولى في البيت الأبيض تجاه الصين. في الواقع، يبدو أن الولايات المتحدة لديها نموذج مختلف في مواجهة الصين، ووفقاً لموقفه الصريح خلال ولايته الأولى، فإنه يسعى إلى إفشال استراتيجية “صنع في الصين 2025”. وبناء على هذه التطورات، أعلنت وزارة التجارة الصينية في الرابع من فبراير/شباط أن الصين ستفرض رسوماً جمركية جديدة على بعض السلع المستوردة من الولايات المتحدة. وخضع الفحم والغاز الطبيعي المسال لرسوم جمركية بنسبة 15 في المائة، كما خضع النفط الخام والآلات الزراعية والمركبات الكبيرة والشاحنات الصغيرة لرسوم جمركية بنسبة 10 في المائة. وبطبيعة الحال، لم تكتف الصين في هذا التحرك بشن حرب جمركية فحسب، بل أعلنت أنها سترفع دعوى قضائية ضد الولايات المتحدة في منظمة التجارة العالمية. ولكن اللوائح أو الإجراءات التي تطبقها المنظمة ليست فعالة للغاية، والإجراء الذي اتخذته الصين ما هو إلا خطوة لإقناع الرأي العام.
إن نطاق حرب الرسوم الجمركية التي تشنها الصين واسع ومتنوع للغاية، حتى أنها وصلت إلى تصدير المعادن النادرة. ولكن من خلال هذه المواجهة وتبادل ضربات الرسوم الجمركية، يمكننا تحديد بعض تفضيلات الطرفين. على سبيل المثال، تسعى الصين إلى الحد من الرقابة على استثماراتها في الولايات المتحدة، والتي تم تشديدها خلال الولاية الأولى لإدارة ترامب. تريد الصين استعادة ظروف الاستثمار في ظل إدارة أوباما، عندما زاد الاستثمار الأجنبي المباشر الثنائي. وبالإضافة إلى ذلك، تسعى الصين أيضاً إلى إزالة القيود التي فرضها ترامب على التكنولوجيا. لكن هذا مجال مليء بالتحديات، كما أن البنية التكنولوجية الإقطاعية الجديدة للعالم تقلل أيضاً من إمكانية تراجع المواجهات في هذا المجال. وخاصة أن شركات صينية مثل Deep Seek بدأت مؤخراً في تحدي زعامة الولايات المتحدة في مجال الذكاء الاصطناعي. ومن الممكن أيضاً أن نضيف أن الضوابط التجارية التي تفرضها الصين لها دوافع سياسية أيضاً. ولهذا السبب فإن الحظر الأخير يتخذ شكل تقييد صادرات المعادن الحيوية إلى الولايات المتحدة، وهو ما يعكس هيمنة الصين على سلاسل التوريد والوصول إلى المواد المستخدمة في التكنولوجيا المتقدمة. أصبحت الصين أكثر رغبةً لاستخدام العقوبات ضد الشركات الأمريكية. وتشير الجهود التي بذلتها بكين مؤخراً لفرض نفوذها في الأسواق الرئيسية، مثل الطائرات بدون طيار والمعادن الحيوية، إلى رغبة متزايدة في تعزيز سلاسل التوريد وفرض تكاليف اقتصادية على الدول المنافسة. وبشكل عام، تستخدم الصين نفوذها الاقتصادي لتحقيق أهداف سياسية طويلة الأمد. وفي ظل هذه الظروف، تسعى الدولة جاهدة إلى تعزيز قوتها التجارية المتنامية لكي تصبح القوة الدافعة الرئيسية في تغيير الأنماط والترتيبات التي تحكم الاقتصاد والتجارة الدولية. ولذلك، يعمل صناع السياسات الصينيون على خلق العديد من الصيغ العالمية والإقليمية والثنائية للترتيبات الجيواقتصادية في مختلف مجالات التجارة والتمويل والخدمات اللوجستية، ولكن إلى جانب هذه المبادرات، فإنهم يعتبرون أيضاً نطاقاً مدروساً للحرب التجارية ضرورياً لتحقيق أهدافهم طويلة الأجل وجذب الخصم إلى المنطقة المواتية لمصالحهم.
0 تعليق