المجلس الاستراتيجي أونلاين ـ رأي: كلمات سماحة قائد الثورة الإسلامية تتضمن خطابين فيما يتعلق بسياسة إبطال مفعول العقوبات: 1- الخطاب الذي يؤكد على عدم الاعتماد والثقة بالغرب، و 2- الخطاب الذي يرتكز على الاعتماد على القدرات الداخلية والاقتصاد المقاوم.
أمير حسين شيرزاد ـ باحث في القانون العام
بعبارة أخرى، يرى سماحة قائد الثورة الإسلامية أنَّ السبيل إلى المقاومة وإبطال مفعول السياسات الاستكبارية للولايات المتحدة والدول الأوروبية – التي تمارسها تحت غطاء الآليات القانونية والمقاربات السياسية ضد إيران – يكمن في الاعتماد على القدرات الداخلية والاستفادة القصوى من الإمكانات الاقتصادية الوطنية. في هذا المقال، إلى جانب توضيح هذين الخطابين، سيتم تقديم شرح لحلّين أساسيين لمواجهة العقوبات، وهما: تعزيز الصادرات الاستراتيجية وضرورة إصلاح نمط استخدام العملة الصعبة، وذلك في إطار تنفيذ سياسات الاقتصاد المقاوم الهادفة إلى تحييد آثار العقوبات الاقتصادية.
في السنوات الأخيرة، لقد عبّر سماحة قائد الثورة الإسلامية بشكل مستمر في تصريحاته عن عدم ثقته العميق تجاه الولايات المتحدة والغرب. يعود عدم الثقة هذا إلى التجارب التاريخية، والتوجهات السياسية، والتجارب الدبلوماسية في الآونة الأخيرة. بعض الدول الأوروبية والولايات المتحدة لا تتحمل أيَّ التزامات أو وفاء بالعهد. فضلاً عن ذلك، فإن هذه الدول قد وجهت ضربات إلى إيران الإسلامية في كل مرة سنحت لها الفرصة. من ناحية أخرى، غالباً ما تسعى هذه الدول إلى التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، محاولين وضع الطرف الآخر في موقف ضعيف من خلال خداعه وفرض مطالبها دون تقديم ضمانات كافية لتنفيذ التزاماتهما.
النقطة الثانية التي يؤكد عليها سماحة قائد الثورة الإسلامية هي استراتيجية المقاومة ضد الضغوط الغربية. من بين العناصر المؤثرة في هذا الخطاب، يمكن الإشارة إلى جوانب مثل النمو الاقتصادي، والتقدم العلمي والتكنولوجي، والاكتفاء الذاتي، والاستفادة من الإمكانات الداخلية، وكبح التضخم، وتحسين الأوضاع المعيشية للناس، وتحسين إدارة الاقتصاد الوطني.
يمكن متابعة سياسة إبطال مفعول العقوبات والمقاومة ضد السياسات الاستكبارية الغربية من خلال تحقيق التقدم العلمي والتكنولوجي، إلى جانب تنفيذ سياسات الاكتفاء الذاتي والاستفادة من القدرات والإمكانات الداخلية، وهي العوامل التي تشكل المحرك الأساسي للنمو الاقتصادي وتحسين أوضاع معيشة الناس.
بشكل عام، يؤكد سماحة قائد الثورة الإسلامية في خطاباته على أهمية النمو الاقتصادي المستدام، والاكتفاء الذاتي، والابتكار التكنولوجي، والاستفادة من القدرات البشرية، وتعزيز الدبلوماسية متعددة الأطراف كاستراتيجيات أساسية لمواجهة التحديات والتهديدات الناتجة عن العقوبات. كما يشدد على النمو الاقتصادي كهدف رئيسي لتدارك التخلف الاقتصادي في إيران. هذا النمو يتطلب جهوداً مستمرة ومركزة على المدى المتوسط، ويُعتبر شرطاً مسبقاً لتحسين جودة حياة ومعيشة الناس. من ناحية أخرى، يسهم النمو الاقتصادي المستدام في الحفاظ على مستوى فرص العمل والدخل، مما يقلل من التأثيرات السلبية الناتجة عن ظواهر مثل الهجرة والمشاكل السكانية. أحد العوامل الرئيسية لتحقيق هذا النمو هو الابتكار التكنولوجي، الذي يؤدي إلى إنشاء صناعات كبيرة وجديدة، وزيادة إنتاجية القدرات الداخلية، وتوسيع الأسواق، وخلق فرص عمل لذوي المهارات العالية.
يمكن اعتبار زيادة الصادرات الاستراتيجية وسياسة التوفير وإصلاح نمط استخدام العملة الصعبة بُعدين أساسيين يتم التأكيد عليهما في الدبلوماسية الاقتصادية المعتمدة على المقاومة. الاقتصاد المقاوم يعتمد على أسس الاكتفاء الذاتي، والاستفادة من القدرات الداخلية، وتطوير الصادرات غير النفطية، وإصلاح نمط الاستهلاك. إن زيادة صادرات المنتجات الاستراتيجية وإصلاح نمط استخدام العملة الصعبة هما مجالان مرتبطان ببعضهما البعض، ولهما تأثيرات متبادلة.
تهدف زيادة صادرات المنتجات الاستراتيجية إلى تقليل الاعتماد على الإيرادات النفطية وزيادة الإيرادات بالعملات الأجنبية غير النفطية. إن زيادة صادرات المنتجات الاستراتيجية غير النفطية، خصوصاً في ظل العقوبات، يمكن أن تُعدّ استراتيجية فعّالة لتنويع مصادر الدخل وتقليل تأثر الاقتصاد الوطني بتقلبات أسعار النفط في الأسواق العالمية و العقوبات الدولية. من جهة أخرى، تسهم صادرات المنتجات الاستراتيجية في خلق فرص العمل والنمو الاقتصادي المستدام. إن تطوير الصناعات الاستراتيجية وزيادة صادراتها يتطلب استثمارات في البنى التحتية، والتكنولوجيا المتقدمة، والقوى البشرية المتخصصة. هذا بدوره يسهم في خلق فرص عمل جديدة و زيادة الإنتاجية في القطاعات المختلفة للاقتصاد. على سبيل المثال، يمكن أن يسهم تطوير صادرات المنتجات الزراعية والصناعات الغذائية في نمو القطاع الزراعي، وخلق فرص عمل في المناطق الريفية، وتقليص الفجوات الإقليمية.
رغم الفوائد المتعددة لزيادة صادرات المنتجات الاستراتيجية، فإن هذا المجال يواجه تحديات متعددة أيضاً. من بين هذه التحديات، يمكن الإشارة إلى القيود التجارية الناتجة عن العقوبات، والتنافس مع المنتجين العالميين، ونقص البنى التحتية اللازمة للتصدير. للتغلب على هذه التحديات، من الضروري وضع استراتيجيات طويلة الأمد في مجالات مثل تحسين جودة المنتجات، وخفض تكاليف الإنتاج، وتطوير أسواق تصدير جديدة، وتعزيز الدبلوماسية الاقتصادية. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يُسهم التعاون بين القطاعين العام والخاص، واستخدام قدرات المنظمات الدولية مثل منظمة إيكو، ومنظمة شنغهاي للتعاون، ومجموعة بريكس، في دعم تطوير صادرات المنتجات الاستراتيجية.
يُعتبر إصلاح نمط استخدام العملة الصعبة أحد المقومات الرئيسية للاقتصاد المقاوم، ويهدف إلى إدارة الموارد المالية بالعملة الأجنبية بشكل أمثل وتقليل الاعتماد على الاستيراد غير الضروري. في ظل الظروف التي تواجه فيها البلاد قيوداً على الموارد المالية نتيجة للعقوبات، فإن الإدارة الصحيحة للموارد المالية وتوجيهها نحو القطاعات الإنتاجية والاستراتيجية تكتسب أهمية خاصة. إحدى الأهداف الرئيسية لإصلاح نمط استخدام العملة الصعبة هي تقليل الاعتماد على واردات السلع غير الضرورية والاستهلاكية. في السنوات الأخيرة، تم إنفاق جزء كبير من الموارد المالية على واردات سلع يمكن إنتاجها محلياً. هذا الأمر لم يُؤدي فقط إلى خروج العملة الأجنبية من البلاد، بل أسهم أيضاً في ارتفاع أسعار العملة الصعبة، وإضعاف الإنتاج المحلي، وزيادة البطالة. من خلال إصلاح نمط استخدام العملة الصعبة وتوجيه الموارد المالية نحو واردات السلع الرأسمالية، والآلات، والتكنولوجيا المتقدمة، يمكن دعم تطوير الصناعات المحلية وزيادة الناتج المحلي الإجمالي. من شأن إصلاح نمط استخدام العملة الصعبة أن يُسهم في تعزيز الإنتاج المحلي وزيادة الاكتفاء الذاتي في القطاعات المختلفة للاقتصاد. فمن خلال تقليل واردات السلع غير الضرورية والاستهلاكية، يزداد الطلب على الإنتاج المحلي، مما يؤدي إلى نمو الصناعات المحلية و خلق فرص العمل. على سبيل المثال، من خلال تقليص واردات المنتجات الزراعية وتوجيه الموارد المالية نحو تطوير البنى التحتية الزراعية، يمكن تحقيق الاكتفاء الذاتي في إنتاج المنتجات الاستراتيجية مثل القمح والأرز.
0 تعليق