المجلس الاستراتيجي أونلاين ـ رأي: انتهت قمة بريكس الأخيرة بصورة رمزية لعملة بريكس في يد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. قبل هذه القمة، ربما لم يكن بعض الخبراء يؤمنون باستمرار مجموعة بريكس ككتلة (أو شبكة ناشئة). وعلى الرغم من أن حق النقض الذي استخدمته الهند على عضوية تركيا أظهر أن أمام بريكس طريقاً طويلاً نسبياً لتعزيز قوتها من خلال توسيع التحالف، إلا أن وجهات النظر حول بريكس تظهر أنها ناجحة إلى حد كبير. إن عملة بريكس وعرضها بيد بوتين هي إحدى علامات جدية بريكس وأهميتها المتزايدة في المستقبل.
رضا مجيد زادة ـ باحث في المجال الاقتصادي
في عام 2018، قررت الدول الخمس المؤسسة لبريكس طرح عملة موحدة للدول الأعضاء في المجموعة وهي فكرة أصبحت أكثر جدية بعد فرض العقوبات على روسيا في عام 2023، وتلتها فكرة إطلاق نظام الدفع الخاص بدول بريكس. قبل ذلك، كانت الصين قد طلبت من البنوك الصينية الابتعاد عن “سويفت” رداً على العقوبات الأمريكية المحتملة بسبب إقرار قانون الأمن الخاص بهونغ كونغ في المؤتمر الشعبي الوطني. لم تقتصر هذه الرغبة على دول بريكس فحسب، بل أبدت دول أخرى، بما في ذلك إيران التي كانت خاضعة للعقوبات الدولية التي فرضتها الولايات المتحدة، اهتماماً بهذا الخيار. لم تُطرح عملة بريكس بعد، لكن في حال طرحها فستُستخدم كوسيط للمعاملات بين أعضاء بريكس والدول الصديقة لبريكس، حيث يمكن القول إنها ستكون العملة الاتحادية الثانية بعد اليورو.
من الناحية النظرية، يجب أن تؤدي عملة بريكس ثلاث وظائف رئيسية لكي يتم قبولها كعملة صالحة ومقبولة بين أعضاء بريكس على الأقل وهي أن تكون: وسيلة لقياس القيمة؛ وسيلة للتبادل، ووسيلة لتخزين القيمة. تشير جميع الوظائف الثلاث إلى أن عملة ما مقبولة من قبل جميع الأشخاص والمنظمات والوحدات الموجودة في المنطقة التي تغطيها تلك العملة. بطبيعة الحال، تصبح الوظيفة الثالثة ذات أهمية في ظل المخاطرة وعدم اليقين، وحين تزداد مخاطر الأصول غير النقدية. أما الوظيفة الأولى فتتحقق بعد تصميم نظام تكاملي بين أعضاء بريكس وبريكس بلس؛ تمتلك دول بريكس ما يقرب من ثلث الناتج المحلي الإجمالي في العالم مما سيجعل ذلك التكامل ممكناً. بمجرد تحقيق الوظيفة الأولى، سيتم تفعيل الوظيفة الثانية أيضاً، وبالنظر إلى حصة أعضاء بريكس وأعضائها الجدد في التجارة العالمية (من حيث الصادرات والواردات)، فإن تحقيقها ليس مستبعداً. فضلاً عن ذلك، ستضم مجموعة بريكس قريباً نصف سكان العالم. لكن تجدر الإشارة إلى أنه إلى جانب هذه الحقائق، فإن الأعضاء الرئيسيين في مجموعة بريكس، بما في ذلك الهند والصين، لديهم تجارة واسعة النطاق مع الولايات المتحدة، وهذه التجارة تعني استمرار طلبهم على الدولار وبالتالي، لا يمكن القول إن عملة بريكس ستحل محل الدولار؛ بل في أفضل الأحوال، بإمكانها أن تكون منافساً للدولار، مثل اليورو، وأن تضعف دور الدولار المهيمن في الاقتصاد والتجارة العالميين.
إن ردة فعل الولايات المتحدة على قمة بريكس يشير إلى الطاقة الكبيرة التي تتمتع بها عملة بريكس، حيث اعتبرت واشنطن ضعف الدولار وخلق بديل لسويفت تهديداً للديمقراطية في العالم. يعتمد مستقبل المنافسة المحتملة بين عملة بريكس والدولار على عوامل مثل انتهاء الحرب في أوكرانيا، وموقع روسيا الجديد في الاقتصاد السياسي الدولي، والمنافسة التكنولوجية والاقتصادية بين الصين والولايات المتحدة وخاصة قدرة الصين على الاستمرار في استراتيجية “صنع في الصين 2025” من جهة والنهج الأمريكي إزاء التضخم ومسألة الدين العام الأمريكي خاصة بالنظر إلى المساعدات المالية الضخمة التي تقدمها للكيان الإسرائيلي. ومع أنه من منظور التجارة الدولية لا يعني الدين العام لبلد ما ضعفه بل يعكس مصداقيته الدولية، إلا أن تأثيره على إضعاف قيمة العملة الوطنية قد يثير تحديات.
0 تعليق