المجلس الاستراتيجي أونلاين – رأي: أعلنت الصين مؤخراً أنها ستفرض قيوداً على صادراتها من الأنتيمون اعتباراً من 15 سبتمبر/أيلول من هذا العام؛ وتشمل قيود التصدير ستة منتجات ذات صلة بالأنتيمون، بما في ذلك خام الأنتيمون، ومعادن الأنتيمون، وتكنولوجيا صهر وفصل الذهب - الأنتيمون.
رضا مجيد زادة – باحث في المجال الاقتصادي
بعد الحرب العالمية الثانية، تحول الأنتيمون إلى عنصر أساسي في صناعة فولاذ التنغستن وتقوية طلقات الرصاص، ويستخدم اليوم في الذخائر الخارقة للدروع، ونظارات الرؤية الليلية، وما شابه ذلك.
الاستخدامات العسكرية والصناعية الواسعة لهذا العنصر خلقت مخاوف في العالم، واستجابة للقيود المفروضة على تصديره تحاول شركات مثل Perpetua Resources، التي تملك الاحتياطيات المحلية الوحيدة من هذا العنصر، استكشاف طرق لتسريع إنتاج الأنتيمون في الولايات المتحدة بدعم من البنتاغون وبنك التصدير والاستيراد الأمريكي. وفي هذا الصدد، تعمل الشركة على تطوير مشاريعها في ولاية أيداهو. لم تقم الولايات المتحدة بتعدين الأنتيمون منذ إغلاق منجم صن شاين (Sunshine) في أيداهو في عام 2001، لكنها توفر حالياً 18٪ من طلبها على شبه الفلز هذا من خلال إعادة تدوير بطاريات الرصاص الحمضية، بينما تعتمد في توفير الباقي على الصين (63٪) وعلى دول أخرى مثل بلجيكا والهند.
والسؤال المهم الآن هو: ما النهج والاستراتيجية التي تتبعها الصين فيما يتعلق بأشباه الفلزات؟ تعد الصين أكبر منتج للأنتيمون في العالم، تليها روسيا وطاجيكستان وبوليفيا. وقد أدت التوترات العسكرية بين روسيا وأوكرانيا من ناحية وتصاعد حدة التوتر في الشرق الأوسط وكذلك استمرار حرب غزة من ناحية أخرى إلى زيادة الضغط على سلسلة توريد الأنتيمون، لأنها تزيد الطلب على الذخيرة والمعدات الدفاعية. في ظل هذه الظروف، زادت مبيعات المعدات العسكرية الأمريكية إلى دول أخرى بنسبة 16% في عام 2023؛ مما يعني استفادة الصناعات العسكرية الأمريكية من الحروب المستمرة في أوروبا والشرق الأوسط، وهو أمر يهدد توسع الصين في مشروع طريق الحرير الجديد واستراتيجية “صنع في الصين 2025” الكبرى. بمعنى آخر، تكمن مصلحة الصين في تجنب دول العالم دخول توترات مباشرة، أما مصلحة الولايات المتحدة وبعض شركات الأسلحة الكبرى فهي في اتساع الحروب في مناطق مختلفة، مما يؤسس لحالة من نظام قائم على الأزمات يجعل التوتر الدائم والمستمر أرضية مفيدة لطرفي الأزمة والتوتر. لذلك، ينبغي اعتبار سياسة تقييد تصدير الأنتيمون التي تنتهجها الصين خطوة في سياق حربها التجارية مع الولايات المتحدة. بدأت الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة خلال رئاسة ترامب، وكان هدف ترامب يتمثل في التصدي لاستراتيجية “صنع في الصين 2025” الكبرى. لكن فيما بعد اتسع نطاق الحرب التجارية بين البلدين إلى المنافسة في مجال الممرات وربط الدول الأوراسية بممرات رئيسية لنقل الموارد والسلع. لكن استراتيجية الصين الرئيسية في مجال أشباه الفلزات والمعادن الرئيسية هي الحد من تجارة هذه العناصر، مما يعرض الولايات المتحدة لنقص إمدادات المعادن. إن استمرار توريد الأنتيمون على نفس الوتيرة السابقة معناه أن الصين تساهم بشكل غير مباشر في تطوير الحرب في المناطق الإستراتيجية التي هي ضمن نطاق تطوير طريق الحرير (الحرب بين روسيا وأوكرانيا والحرب في غزة)، خاصة وأن اطالة أمد هذه الحروب يعني المزيد من التكلفة والمخاطر بالنسبة للشبكات التي تسعى الصين إلى تطويرها في سياق الربط بين الشرق والغرب والممرات التجارية. وقد اتسع نطاق هذه المخاطر والتهديدات ليشمل تايوان، حيث امتدت المواجهة الباردة بين الصين والولايات المتحدة إلى هذه المنطقة أيضاً.
فضلاً عن ذلك، هناك نقطة أكثر أهمية وهي تحوّل استراتيجية الصين الحالية فيما يتعلق بشبه الفلزات إلى حرب تجارية استباقية؛ رغم تقارب نتائج هاريس وترامب في استطلاعات الرأي، يبدو أن معظم الاستراتيجيين أعطوا وزناً أكبر لفوز ترامب، ومن هذا المنطلق يمكن القول إن الصين تمارس لعبة استباقية حتى لا تتكرر تجربة الحرب التجارية التي شنها ترامب في عامي 2015 و 2016، وأن يكون زمام المبادرة بيد الصين هذه المرة. خلال الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، غيرت بكين استراتيجياتها من الحرب التجارية المباشرة (التعريفات الجمركية) إلى استراتيجيات حرب العملات وإنشاء شبكات غير أمريكية مثل البريكس وشنغهاي، وربط دول طريق الحرير الجديد بنفسها وتطوير مشاريع الطاقة النظيفة في الدول الواقعة على طول هذا الطريق، وتوسع الوجود الاقتصادي، حتى فيما يتعلق باستخراج النفط في أفغانستان. ورغم أن الصين دخلت أيضاً في حرب تجارية مع الاتحاد الأوروبي للحفاظ على موقعها المهيمن وفتحت جبهات جديدة للحرب التجارية مع الاتحاد في مجالات مثل السيارات الكهربائية وطاقة الرياح، إلا أنه يبدو أن تركيز الصين الحالي ينصب على تحقيق مكانة متفوقة قبل إعادة انتخاب ترامب المحتملة.
0 تعليق