المجلس الاستراتيجي أونلاين ـ رأي: في الأسبوعين الماضيين، اجتمع قادة ومسؤولو الدول المشاركة في قمة الأمم المتحدة للمناخ المعروفة باسم كوب 28 (COP28) في دبي بدولة الإمارات العربية المتحدة، بهدف تكثيف الجهود للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري وتقليص استخدام الوقود الأحفوري في العالم. على الرغم من أن الهجمات اللاإنسانية التي يشنها الكيان الإسرائيلي على قطاع غزة قد ألقت بظلالها على هذه القمة، فإن الخريف الجاف وقليل الأمطار هذا العام وفصول الشتاء قليلة البرودة والأمطار في السنوات الماضية تذكرنا بأن الاهتمام بتغير المناخ ومعالجة أسبابه لم يعد مسألة فرعية وغير مهمة بل إن إهمالها يمكن أن يشكل مشكلة مباشرة للأمن الغذائي ورفاهية وحياة مواطني البلدان المختلفة، مما يعرض الحكومات أيضاً لمخاطر جسيمة.
الدكتور محمد مهدي مظاهري ـ أستاذ جامعي
إن استضافة الإمارات العربية المتحدة، بصفتها دولة عضو في منظمة أوبك، لقمة كوب 28 لم تـأت فقط بسبب رغبة السلطات الإماراتية في استضافة الاجتماعات الدولية المهمة وتحقيق المكانة والنفوذ الناتج عنها؛ بل لسبب آخر أيضاً وهو أن منطقة الشرق الأوسط (منطقة غرب آسيا) تعد إحدى المناطق التي تعتمد بشكل كبير على الطاقة. فهذه المنطقة تتمتع بموارد وفيرة من النفط والغاز الطبيعي، ويعتمد جزء كبير من اقتصادها على بيع هذه الموارد. مع ذلك، فإن الاعتماد على الطاقة الأحفورية والتلوث الناتج عنها تسبب في مشاكل للمنطقة، من بينها تلوث الهواء وزيادة أمراض الجهاز التنفسي بين المواطنين وزيادة جفاف البيئة ونزاعات المياه داخل حدود دول المنطقة وبينها.
كنتيجة، زاد الاهتمام بالطاقة النظيفة والخضراء في المنطقة في السنوات الأخيرة، لكن السؤال الرئيسي هنا هو أنه في حين تتعرض أفقر دول العالم لأشد التغيرات المناخية ويشهد العالم انقساماً إزاء الحرب في كل من غزة وأوكرانيا، هل هناك أمل في إصرار دول العالم على تأسيس عمل مشترك في مجال تقليص أو تحسين استخدام الوقود الأحفوري؟ وما هو مستقبل هذه الطاقات في منطقة غرب آسيا؟
في الرد على السؤال الأول، لا بد من القول إنه نظراً لتزايد المشاكل الناجمة عن التغيرات المناخية، التي لم تعد تقتصر على منطقة معينة وبلد معين، وكذلك بسبب التهديدات الجيواستراتيجية الأمنية الناجمة عن اعتماد القوى العالمية على الطاقات الأحفورية، يبدو أن دول العالم المتقدمة والكبيرة تتجه نحو اتخاذ خطوات إيجابية نحو استخدام الطاقة النظيفة؛ مع أنها ومن أجل تفعيل هذه الإجراءات، حددت فترة زمنية طويلة نسبياً حتى تتمكن من التخطيط والاستثمار في هذا المجال، وأن لا تواجه صناعاتها التي تعتمد على الطاقة الأحفورية أضراراً ومشاكل خطيرة ومبكرة. وفي هذا الصدد، قررت الولايات المتحدة و21 دولة أخرى في اليوم الثاني من اجتماع كوب 28 في دبي مضاعفة سعة الطاقة النووية ثلاث مرات بحلول عام 2050.
لكن الوجه الآخر لهذا القرار هو أن مضاعفة سعة الطاقة النووية ثلاث مرات بحلول عام 2050، إلى جانب البرامج الأخرى للدول الصناعية المتقدمة لاستخدام طاقة الرياح والطاقة الشمسية وغيرها، سيساعدها على تقليل اعتمادها على النفط وتقليل الغاز، وهو ما قد يشكل تهديداً استراتيجياً للبلدان أحادية السلعة في منطقة غرب آسيا، والتي يتمثل مصدر دخلها الرئيسي ونفوذها على الساحة الدولية في الطاقة الأحفورية.
من ناحية أخرى، فإن تكلفة الاستثمار في تنمية الطاقة النظيفة والخضراء في منطقة غرب آسيا أعلى من تكلفة الطاقة الأحفورية، ومن الطبيعي أن تخصيص الأموال لمثل هذه البرامج لن يكون أولوية لدول هذه المنطقة، والتي يعاني الكثير منها من مشاكل اقتصادية. كما أن إمكانية جذب المستثمرين الأجانب ليست متوفرة لجميع هذه الدول. إن الافتقار إلى البنية التحتية المناسبة، والحاجة إلى النظر في وضع السوق (العملاء والمستفيدين من الطاقة النظيفة)، والموارد البشرية (وجود ما يكفي من الموارد البشرية المتخصصة)، والموارد الأولية، والمعدات وغيرها من البنى التحتية المعرفية والتكنولوجيات الأم هي مشاكل أخرى تواجهها معظم دول منطقة غرب آسيا في تطوير الطاقة النظيفة والخضراء.
لا بد من القول إن للطاقة النظيفة العديد من المزايا، التي تجعل استخدامها على المدى الطويل مفيداً لجميع دول العالم، بما في ذلك دول منطقة غرب آسيا؛ من تلك المزايا، الحد من تلوث الهواء، والسيطرة على الاتجاه المقلق لتغير المناخ (بسبب عدم إنتاج الغازات الدفيئة)، وخلق فرص عمل جديدة وإمكانية جذب المزيد من العمالة وتحسين الأمن والاستقلال الاقتصاديين بسبب عدم الاعتماد على مداخيل الموارد الأحفورية. رغم ذلك، ربما يكون السبب الأكثر أهمية وراء توجه بلدان منطقة غرب آسيا نحو الطاقة النظيفة هو الحاجة إلى فهم التحولات الاستراتيجية في الوقت المناسب ومواءمتها، بل أخذ زمام المبادرة فيها. في المرحلة الحالية، ومع المشاكل الاقتصادية والسياسية والأمنية التي يخلقها تغير المناخ لمختلف البلدان كل يوم، توصل العالم إلى الفهم والوعي العام بأنه يجب أن يتجاوز الظروف المكلفة والضارة للطاقة الأحفورية، أو على الأقل يبحث عن تقنيات جديدة (مثل تقنية إزالة الكربون) للحد من أضرارها. وفي مثل هذه الحالة، يعد الإعداد والتخطيط لأخذ زمام المبادرة في الاستخدام الأمثل للطاقة النظيفة والخضراء سياسة ذكية ينبغي أن تتبعها جميع دول منطقة غرب آسيا، وخاصة الجمهورية الإسلامية الإيرانية. لن يؤدي تبني هذا التوجه إلى تنويع الاقتصاد المحلي لهذه البلدان وزيادة رفاهية وجودة حياة المواطنين وتعزيز رأس مالهم الاجتماعي وأمنهم فحسب، بل سيمنح هذه البلدان على المدى المتوسط نوعاً من القوة الناعمة والمصداقية الدولية، وسيحميها على المدى الطويل من خطر العزلة والعقوبات المحتملة الناجمة عن عدم اتباع قرارات المجتمع الدولي في المجال المناخي.
0 تعليق