المجلس الإستراتيجي أونلاين ـ حوار: تطرق خبير في اقتصاد الطاقة إلى الأجواء الإعلامية والسياسية التي أثارتها أوروبا وباكو فيما يتعلق باحتياطي غاز جمهورية أذربيجان، قائلاً: "في ظل الوضع القائم في منطقة القوقاز وجهود الجهات الأجنبية لزيادة تواجدها ولعب دور في تلك المنطقة، تحاول باكو تقديم نفسها كفاعل مهم وحاسم".
في حوار مع موقع المجلس الإستراتيجي للعلاقات الخارجية، أشار نرسي قربان إلى إعلان جمهورية أذربيجان قرارها بمضاعفة كمية الغاز المصدرة إلى أوروبا بحلول عام 2027، قائلاً: “لا يمكن لجمهورية أذربيجان بأي حال من الأحوال أن تحل محل روسيا في إمداد أوروبا بالغاز؛ لأن ما يمتلكه هذا البلد من موارد واحتياطات الغاز ليس فعلاً كما يُصوَّر في وسائل الإعلام. كما أن البنى التحتية وخطوط أنابيب الغاز لا تسمح لباكو بإرسال الغاز إلى أوروبا بهذا الحجم”.
وذكر أن جمهورية أذربيجان غير قادرة على إنتاج هذه الكمية من الغاز من حيث البنية التحتية، موضحاً: “احتياطيات الغاز في جمهورية أذربيجان هي حوالي 2.5 تريليون متر مكعب. هذا المقدار من احتياطيات الغاز هو واحد على خمسة عشر من احتياطيات الغاز الروسية. بالإضافة إلى ذلك، يبلغ إنتاج جمهورية أذربيجان 31.8 مليار متر مكعب وتقدر هذه الكمية من الإنتاج بنحو واحد على اثنين من إنتاج روسيا. يجب أن يؤخذ في الاعتبار أنه من أصل 31.8 مليار متر مكعب من الغاز المنتج، تخصص باكو حوالي 12.7 مليار متر مكعب لاستهلاكها المحلي ولديها فقط حوالي 19 مليار متر مكعب من الغاز الفائض”.
في إشارة إلى طلب بعض الدول الأوروبية من المفوضية الأوروبية تخصيص أموال لتطوير البنية التحتية لزيادة أمدادات الغاز من باكو إلى الاتحاد الأوروبي، قال الخبير في اقتصاد الطاقة: “قبل بدء الحرب في أوكرانيا، كانت أوروبا تستورد حوالي 167 مليار متر مكعب من الغاز من روسيا، ولا يمكن لباكو تغطية نصف أو ثلث هذا الرقم في المستقبل القريب. قد تتمكن باكو من إضافة بعض الكمية إلى حجم تصدير غازها، لكن هذه الكمية ستكون محدودة للغاية”.
وأكد قربان على محدوديات طرق نقل الغاز قائلاً: “لا يمكن لباكو تصدير الغاز إلا عبر جورجيا وتركيا. أو تحويله إلى غاز مسال؛ وهو مشروع يستغرق اكتماله حوالي ست سنوات. جميع الطرق الأخرى مغلقة أمام باكو”.
وشدد على أنه إذا أرادت أوروبا التخلي عن روسيا، فإن لدى موسكو طرقاً عديدة للضغط على أوروبا، موضحاً: “روسيا لها تأثير على باكو، وهذا التأثير يمكن ممارسته على طرق نقل الغاز، لخلق العديد من التحديات أمام هذه العملية. لذلك لا يمكن لأوروبا الاعتماد على غاز باكو؛ لأن هذه المنطقة بأي حال من الأحوال تخضع لتأثير روسيا بشكل مباشر وغير مباشر. في هذه الحالة، ليس من الممكن تخيل أفق طويل الأجل لأمن نقل الطاقة إلى أوروبا”.
وصرح محلل الاقتصاد الدولي أنه إذا كان لدى باكو بعض الفائض من الغاز، فستقوم بتصديره بالتأكيد، مضيفاً: “لا يمكن تجاهل التقييمات المبالغ فيها. بدون غاز تركمانستان، لا تستطيع باكو تلبية توقعات الاتحاد الأوروبي لزيادة إمدادات الغاز كبديل للغاز الروسي، حتى على المدى القصير. وإذا استطاعت باكو تحضير البنى التحتية لنقل الغاز إلى أوروبا في ظل ظروف مثالية، قد تكون قادرة في السنوات المقبلة على تعويض حوالي 10٪ من الغاز الذي كانت تزود روسيا أوروبا به”.
ولفت قربان إلى الأجواء الإعلامية والسياسية التي خلقتها أوروبا وباكو فيما يتعلق باحتياطيات الغاز في جمهورية أذربيجان، موضحاً: “في ظل الوضع القائم في منطقة القوقاز وجهود الجهات الأجنبية لزيادة تواجدها ولعب دور في تلك المنطقة، تحاول باكو تقديم نفسها كفاعل مهم وحاسم وتصوير المنطقة والدول الأخرى معتمدة عليها من الناحية الإستراتيجية؛ وإلى حد ما، يمكنها أن تحقق مكسباً من خلال ذلك. لكن يجب أن يؤخذ في الاعتبار أنه من وجهة نظر الخبراء المستقلين، من الواضح أن هذه القضية دعائية، ولا يمكن المضي قدماً بشكل فعلي بالاعتماد على هذه الدعايات”.
وتطرق الخبير في قضايا اقتصاد الطاقة إلى التداعيات الاقتصادية والتطورات في مجال خطوط نقل الطاقة في المنطقة بعد تصدير غاز باكو إلى أوروبا، مؤكداً: “إذا أرادت أوروبا استبدال الغاز الروسي، فليس من الحكمة استيراد الغاز من منطقة واقعة تحت تأثير روسيا”.
وفي إشارة إلى قرار باكو بمضاعفة تزويد أوروبا بالغاز، ذكر قربان: “حتى إذا صدَّرت باكو حوالي 15 مليار متر مكعب وإذا استطاعت كذلك أن تزيد هذه الكمية إلى 30 مليار متر مكعب في السنوات الأربع المقبلة، فإن هذا الرقم لا يزال يبقى بعيداً عن 167 مليار متر مكعب كانت تزود روسيا أوروبا بها. لذلك، فإن الدعايات التي تروج لغاز باكو إلى هذا الحد، تثير الاستغراب”.
واختتم بالتأكيد على أن باكو تحاول زيادة تكلفة معارضة روسيا المباشرة وغير المباشرة لنقل الغاز إلى أوروبا من خلال إثارة الأجواء، قائلاً: “إن روسيا ستعرقل بقدر ما تستطيع تصدير غاز باكو”.
0 تعليق