المجلس الإستراتيجي أونلاين ـ رأي: يكتب يوفال نوح هراري في ديباجة كتاب "الإنسان الإله؛ تاريخ مختصر عن المستقبل" أن إنسان اليوم قد تجاوز المخاطر التاريخية للحروب والمجاعة وقد تحول السلام إلى واقع ثابت وقاعدة جديدة. لذلك، فإن احتمالات وقوع حروب أو مجاعات مماثلة للعصور السابقة أو تكرار نتائجها الكارثية ضئیلة.
رضا مجيد زادة ـ باحث في الاقتصاد السياسي للتنمية
رغم ذلك، كشف الهجوم الروسي على أوكرانيا أن هذه المخاطر لا تزال جدية؛ بحيث أصبحت في بؤرة الاهتمام خلال المنتدى الاقتصادي العالمي. في حين أن العالم كان في طور التعافي من انعكسات تفشي وباء كوفيد 19 تدريجياً، شنت روسيا حرباً على أوكرانيا أثارت مخاوف حقيقية بشأن اندلاع الحرب العالمية الثالثة والنقص الحاد في عرض القمح والحبوب.
فضلاً عن ذلك، فإن استيراد الطاقة خاصة الغاز يمثل قلقاً حقيقاً آخر بالنسبة لأوروبا. كنتيجة، تركزت معظم النقاشات في منتدى دافوس على بحث جذور هذه الأزمة. في هذا السياق، لاقت تصريحات هنري كسينجر وجورج سوروس بشأن احتواء روسيا أو وضع حد للأزمة الراهنة اهتماماً بالغاً.
قبل انطلاق أعمال المنتدى كانت هناك مخاوف حقيقة من عدم التعاون لمعالجة التحديات العالمية، وكان قد فاقم ارتفاع أسعار المواد الغذائية في أرجاء العالم هذه المخاوف. عدا ذلك، فإن اعتماد حوالي 40 دولة على استيراد القمح الروسي والأوكراني تسبب في أخذ موضوع المجاعة حيزاً كبيراً من نقاشات منتدى دافوس.
في 23 مايو، أول أيام المنتدى، كان أحد المحاور الرئيسية هو أن تداعيات كوفيد 19 والتغيرات المناخية وحرب أوكرانيا، مجتمعة، قد أدت إلى ارتفاع حاد في أسعار المواد الغذائية والطاقة؛ بحيث ارتفعت أسعار بعض المواد الغذائية المعتمدة على الحبوب بنسبة 50 في المئة على مستوى العالم.
سلط المشاركون في اجتماع بشأن بأزمة الغذاء، الضوء على أسباب هذه الأزمة مؤكدين على أن دعم الأمن الغذائي وإحياء سلاسل الإمدادات على مستوى العالم وحماية حركة التجارة بين الدول يتطلب توجهاً شاملاً يركز على قضايا مثل خفض انبعاث ملوثات الهواء (باعتبارها سبباً لأزمة الغذاء) عبر تسريع وتيرة التطور الرقمي وزيادة تعاون الدول فيما بينها لإحياء سلاسل إمدادات المواد الغذائية. كما ينبغي توفير مساعدة لتمويل هذه السلاسل.
من جهة أخرى، اعتبر محاضر كان يمثل جمهورية تنزانيا توفير الدعم والمساعدة لأفريقيا محوراً رئيسياً في مثل هذا التوجه، حيث أنه من شأنه أن يساهم في زيادة زراعة المحاصيل وإنتاج المواد الغذائية على مستوى القارة بشكل شامل.
في هذا السياق، تم اقتراح إستراتيجيتين. الأولى؛ الإجراءات الوطنية في مجال الاستثمار في البنى التحتية في أفريقيا مثل الطرق الريفية. والثانية؛ إستراتيجية شاملة على مستوى القارة السمراء للاستفادة من طاقة الشباب ـ الذين يشكلون نسبة كبيرة من سكانها ـ في سلاسل القيمة الزراعية. وإلى جانب هاتين الإستراتيجيتين، جرى التأكيد على زيادة تنوع البذور وخصوبة التربة وتوفير المياه كذلك.
ورأى المشاركون الآخرون في المنتدى أن الدول التي تحظى بظروف أفضل تتحمل مسؤولية أكبر وعليها تسهيل حركة تجارة المواد الغذائية. وكنتيجة، تم التأكيد على الشراكة والتعاون الدولي من أجل إيجاد حلول فعالة ومستدامة للتحديات العالمية.
ومن القضايا البارزة الأخرى في النقاشات، هي موضوع تلف المواد الغذائية والحاجة إلى تطوير تكنولويجيات لمعالجة المواد الغذائية وتقليص تلفها. وهو توجه سيتطور من خلال إلزام الدول وتوظيف العلم وإنشاء نظام عالمي لمراكز المواد الغذائية وكذلك الاستثمار في تسريع الإبداع في هذا المجال.
رغم ذلك، تحدث المدير التنفيذي لبرنامج الأغذية العالمي للأمم المتحدة عن حجم المساعدات السابقة لأفريقيا (والمناطق الأخرى) وعدم الفاعلية في مجال إدارتها وتخصيصها مؤكداً على أن المساعدات المالية وحدها لن تكون مؤثرة.
ومن ضمن القضايا المهمة الأخرى في المنتدى، هي ضرورة التعاون بين الشركات والمزارعين ودعم المزارعين تقنياً لزيادة فاعلية عملية الزراعة وارتفاع جودة المحاصيل وهو توجه يتطلب الاستدامة. وينبغي على الحكومات والصناعات العمل على هذا الجانب سوية، بالتعاون مع المنظمات غير الحكومية كذلك. وفي الحقيقة، فإن إحدى النقاط التي أثيرت عدة مرات خلال اجتماعات المنتدى هي أهمية التعاون الدولي التي كان الحديث يدور عن ضعفه، قبل المنتدى كذلك.
0 تعليق