المجلس الإستراتیجي أونلاین ـ حوار: قال استاذ جامعي إن هناک توقعات بشأن الوضع الإقتصادي في روسیا و إذا ما تحققت فسينهار إقتصادها تدریجیاً، مضیفاً: في ظل هذه الظروف، لم یحصل تغییر في إستقطاب القوة في النظام الدولي إلّا إذا واجهت روسیا تطورات مثلما کانت في فترة غورباتشف و هذا إحتمال ضئیل.
وأشار الدکتور مهدي فاخري في حدیثه لموقع المجلس الإستراتیجي للعلاقات الخارجیة إلی تقاریر الوکالة الدولیة للطاقة، بأن حجم إنتاج النفط الروسي سينخفض نحو 3 ملایین برمیل یومیاً وذلك بحلول النصف الثاني من عام 2022، قائلاً: يرى البعض أن الحرب الأوکرانیة فخ غربي لروسیا للإستفادة من تبعات سياسة الحظر، لکن الحظر سیف ذو حدین و خلال الأیام الأخیرة شهدنا فخ الطاقة الروسیة للغرب ایضاً. فکلما قلّت إمدادات الطاقة، إرتفع سعرها. و رغم أن حجم الصادرات الروسية انخفض بنسبة 30 بالمئة بعد الحرب، إلا أن قیمة صادراتها أرتفعت.
وتابع محلل الشؤون الدولیة قائلاً: في هذه الظروف، من المحتمل أن يعود بعض المصدّرین مثل إیران وفنزویلا إلی الأسواق أو المصدّرین الذین لم یفرض علیهم الحظر، القيام بزيادة حجم صادراتهم، لکن حتی الآن لم یحدث هذا الأمر بسبب بعض القضایا السیاسیة والدولیة بین الدول الأعضاء في منظمة الاوبک و المصدرين بالخلیج الفارسي.
إعتماد أوروبا الخاص علی مصادر الطاقة الروسیة، عائق أمام تحقیق التوقعات
وأشار فاخري إلی أن الإحصائیات تعطي أحیاناً مؤشرات لاتتطابق بالضرورة مع التحاليل، مصرحاً: منذ عام 2021، بلغ اجمالي صادرات روسیا إلی أوروبا نحو 140 ملیار دولار، و في الحقیقة، کانت نحو 12 ملیار دولار شهریاً. فيما تضاعفت عوائد روسیا من تصدیر النفط والغاز إلی أوروبا وذلك بعد مرور شهرین من بدء الحرب الأوکرانیة، وبلغت نحو 62 ملیار دولار تقریباً. و يدل هذا الرقم علی أن روسیا کانت تحصل علی 31 ملیار دولار شهریا من هذا الطریق! ولهذا، فإن إعتماد الدول، و بشکل خاص أوروبا، علی مصادر الطاقة الروسیة أعاق تحقق التوقعات حتی الآن.
وأوضح الخبیر: علی الرغم أن المانیا أعلنت في بدایة الحرب أنها ستبحث عن مصادر بدیلة و وقعت أیضاً إتفاق مع قطر لاستیراد الغاز، لکن خلال الشهرین الماضیین، استوردت من روسيا ماقيمته 9 ملیارات دولار! وبعد المانیا، قامت هولندا وایطالیا كل منهما بإستیراد ماقيمته 7 ملیارات دولار من روسيا، لذلک، القضیة هي أنه حتی لو کانت هناک إرادة سیاسیة وإجماع بین الأعضاء الأوروبیين، و حتى لو توصلت الولایات المتحدة وأوروبا ایضاً إلی إتفاق عام في هذا المجال، فلا يمكن استبدال مصادر الطاقة بهذه السهولة.
وأکد استاذ العلاقات الدولیة علی أن سوق الطاقة غیر مرن و لایمکن في فترة قصيرة مشاهدة تأثير السیاسات علی الأسواق، ومع ظهور هذه التأثيرات یمکن تحلیل الظروف علی المدی المتوسط والطویل، قائلاً : كلما مرور الوقت، ازداد الحظر وكفاءته وقلّت إمکانیة استغلال روسیا للظروف الجاریة وإرتفاع الأسعار المتوقعة. یتکیف السوق الدولي تدریجیاً مع هذه الظروف وستتفاقم الظروف بالنسبة لروسیا.
وإعتبر فاخري الإهتمام بـنوعیة البضائع وظروف الدول التي تتعامل مع روسیا، هو امر ضروري لتقدیم تحلیل صحیح عن الأوضاع، مضیفاً: علی الرغم من أن العدد الرئیسي للتجارة الروسیة یرجع إلی النفط والغاز وزبائنها الرئیسیين هم الأوروبیون، لکن روسیا لدیها قدرات واسعة و زبائن متعددة إلی جانب النفط والغاز. فقط في مجال واحد، 15% من اجمالي التجارة الخارجیة لروسیا مع الصین، و هما قد وقّعا مشاریع متعددة وستدخل حیز التنفيذ تدریجیاً.
وتابع الأستاذ الجامعي: تستحوذ انکلترا علی 7 بالمئة من التجارة الخارجیة الروسیة بنفسها کما أن المانیا وبیلاروسیا استحوذتا كل واحدة منهما على 5 في المئة من هذه التجارة. فلایمکن استبدال هذه الأرقام بالسهولة و تغییرها یحتاج الی الزمن.
وذکر المحلل في الشؤون الدولیة أن الفحم یمثل 32 % من صادرات الطاقة الروسیة إلی أوروبا، مشیراً إلی قلق الدول بالنسبة للأمن الغذائي لمواطنیهم مع بدایة الحرب، قائلاً إنه یتم تصدیر 70 بالمئة من صادرات القمح والشعیر الروسي إلی الشرق الأوسط فقط والتوقف عن تصدیرها أدی إلی إرتفاع أسعارها. علاوة علی ذلک، تقوم روسیا بتصدير المعادن النفيسة المتعددة ولدیها سوق مضمون علی الأقل في الصین.
وإعتبر فاخري سیاسات مبادلة النفط والغاز بالـروبل عاملاً لتعویض انخفاض قیمة الروبل والحصول علی زبائن جدد للنفط والغاز، مضیفاً: الدعایات التي نشاهدها في وسائل الإعلام الغربیة لاتبين بالضرورة الوقائع کلها. نحن نواجه دولاً لم تندد بما قامت به روسیا حتی بکلماتهم و تواصل تجارتها مع روسیا عملیاً. التصویت الذي جرى في الجمعیة العامة أظهر أنه علی الرغم من أن بعض الدول لم توافق علی الهجوم على اوکرانیا ،إلا أنها لم تتبع الغرب في مواقفه و عقوباته ایضاً.
تداعيات الحظر علی الإقتصاد الروسي
وتابع القول، إن في هذه الظروف، یمکن لروسیا مواصلة حیاتها مثل بقیة الدول التي إستهدفها الغرب، و بالتالي سيكون على أقتصاد هذا البلد أن يتحمل تكاليف ذلك، وسيكلفها على الأقل ملیار دولار شهریاً وهي تکلفة مباشرة للحرب أو ملیار دولار اسبوعیاً علی أساس بعض التقدیرات و هذا لیس مبلغاً ضئیلاً لإقتصاد أي البلد كان. علاوة علی ذلک، یتوقع البنک الدولي أن تشهد روسیا نمواً إقتصادياً سلبياً بنسبة (-7 %) في عام 2022 بدلاً من (+2%) ، فالأمر جدیر بالإهتمام جداً وإذا ما حدث ذلک فسوف ینهار الإقتصاد الروسي تدریجیاً.
وفيما یتعلق بـإمکانیة تأثیر الحظر علی المسارين السیاسي والإجتماعي في روسیا نظراً لإقتراب موعد إجراء الإنتخابات في هذا البلد، قال المحلل: عادة ما تؤدي الحروب إلی المزید من التلاحم بين الناس وتصبح أداة لـقمع المعارضة في الداخل، لکن نظراً للقضایا الداخلیة وظروف المعارضین الروس، وایضاً دعم الغرب لأوکرانیا حتی الآن، فمن الممکن أن يصاب هذا المسار بالتوقف. یجب متابعة التداعیات الداخلیة للحرب علی روسیا في حالتين “روسیا مع بوتین” و “روسیا دون بوتین” و الوضع في “روسیا دون بوتین” بالتأکید مدمر للغایة لهذا البلد.
وأشار فاخري إلی أن الحرب الأوکرانیة قد شکلت تحدیاً خطیراً للقیادة الروسیة، لکن لایوجد هناک إمکانیة لتقیید قوة روسیا في منطقة آسیا وتحویلها إلی قوة معتدلة، مشیراً إلی دور هذا البلد في المنظمات الإقلیمیة والدولیة، مصرحاً: لدی هذا القطب القوي مواقف مختلفة عن مواقف الولایات المتحدة والغرب، ویتبع نموذجاً للتنمية الإقتصادیة للدول النامیة. في معادلات القوة العالمیة والدولیة، هم یعتبرون أنفسهم بـقطب القوة، لذلک، لن يحدث أي تغییر في إستقطاب القوة في النظام الدولي عبر الحرب الأوکرانیة إلا إذا واجهت روسیا تطورات مثلماً حدث في فترة غورباتشف و هذا إحتمال ضئیل.
0 تعليق